ومعنى أمر السماء والأرض بالإتيان طوعاً أو كرهاً وامتثالهما ؛ أنه أراد أن يُكوّنهما، فلم يمتنعا عليه، ووجدتَا كما أراد، وكانتا في ذلك كالمأمور والمطيع، وإنما ذكر الأرض مع السماء في الأمر بالإتيان، مع أن الأرض مخلوقة قبل السماء بيومين ؛ لأن المعنى : ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف، أي : ائتي يا أرض مدحوة قراراً ومهاداً لأهلك، وائتي يا سماء مبنية سقفاً لهم، ومعنى الإتيان : الحصول والوقوع.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣١
وقوله :﴿طوعاً أو كَرهاً﴾ لبيان تأثير قدرته فيهما، وأن امتناعهما عن قدرته مُحال ؛ كما تقول لمَن تحت يدك : لتفعلن هذا شئت أو أبيت، طوعاً أو كرهاً. وقال ابن عطية : الأمر بالإتيان بعد اختراعهما، قال : وهنا حذف، أي : ثم استوى إلى السماء فأوجدها، وأتقنها، وأكمل أمرها، وحينئذ قال لها وللأرض : ائتيا لأمري وإرادتي فيكما، والمراد : تنجيزهما لما أراده منهما، وما قدر من أعمالهما. هـ. حُكي أن بعض الأنبياء قال : يا رب لو أن السماوات والأرض حين قلت لهما : ائتيا طوعاً أو كرهاً عصتاك، ما كنت صانعاً بهما ؟ قال : كنتُ آمر دابة من دوابي فتبتلعهما، قال : وأين تلك الدابة ؟ قال : في مرج من مروجي، قال : وأين ذلك المرج ؟ قال : في علم من علومي.
وانتصاب ﴿طوعاً أو كرهاً﴾ على الحال، أي : طائعين أو مكرهين. ولم يقل " طائعتين " ؛ لأن المراد الجنس، أي : السموات والأرضين، وجمع جمع العقلاء لوصفهما بالطوع والكره، اللذين من وصف العقلاء، وقال : طائعين في موضع طائعات ؛ تغليباً للتذكير ؛ لشرفه، كقوله :﴿سَاجِدِينَ﴾ [يوسف : ٤].
٣٣٣