فحادُوا عنها، واستحبُّوا العمى على الهدى ؛ حيث لم يسبق لهم الهداية في الأزل، فالسوابق تُؤثر في العواقب، والعواقب لا تؤثر في السوابق، فكأن جبلة القوم الضلالة، فمالوا إلى ما جبلوا عليه من قبول الضلالة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٥
وقوله تعالى :﴿ونجينا الذين آمنوا﴾ أي : في الدنيا من الصاعقة، وفي الآخرة من السقوط في الهاوية. قال القشيري : منهم مَن نجَّاهم من غير أن رأوا النار، عَبَروا القنطرةَ ولم يعلموا، وقومٌ كالبرق الخاطف، وهم أعلاهم ـ قلت : بل أعلاهم كالطرف ـ ثم قال : وقوم كالرواكض، وهم أيضاً الأكابر، وقوم على الصراط يسقطون وتردُّهم الملائكة على الصراط، فبَعُدوا. ثم قال : وقومٌ بعدما دخلوا النار، فمنهم مَن تأخذه إلى كعبيه، ثم إلى ركبتيه، ثم إلى حَقْوَيْه، فإذا بلغ القلب قال الحقُّ للنار : لا تحرقي قلبه، فإنه محترقُ بي. وقوم يخرجون من النار بعدما أمْتُحِشُوا فصاروا حُمَماً. هـ منه
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٥
يقول الحق جلَ جلاله :﴿و﴾ اذكر ﴿يوم نَحْشُرُ أعداء الله﴾ من كفار المتقدمين والمتأخرين ﴿إِلى النارِ فهم يُوزَعون﴾ ؛ يُضمون ويُساقون إلى النار، ويُحبس أولهم على أخرهم، فيستوقف سوابقهم حتى تلحق بهم تواليهم، وهي عبارةٌ عن كثرة أهل النار، وأصله : من وزَعته، أي : كففته. ﴿حتى إِذا ما جاؤوها﴾ أي : حضروها، و " حتى " : غاية للحشر، أو : ليوزعون، و " ما " : مزيدة ؛ لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور، فبمجرد حضورهم ﴿شَهِدَ عليهم سمعُهُم وأبصارُهم وجلودُهم﴾ أي : بَشَراتهم ﴿بما كانوا يعملون﴾ في الدنيا، من فنون الكفر والمعاصي، بأن ينطقها الله تعالى، ويظهرعليها آثار ما اقترفوا بها. وعن ابن عباس رضي الله عنه : أن المراد بشهادة الجلود : شهادة الفروج، كقول الشاعر :
٣٣٨
أوَ سالم مَنْ قد تثـ
ـنَّى جِلْدُه وابْيَضَّ رَأسُه


الصفحة التالية
Icon