يقول الحق جلّ جلاله :﴿ومن آياته﴾ الدالة على وحدانيته :﴿الليلُ والنهارُ﴾ في تعاقبهما على حدِّ معلوم، وتناوبهما على قدرٍ مقسوم، ﴿والشمسُ والقمرُ﴾ في
٣٤٧
اختصاصهما بسير مقدّر، ونورٍ مقرّر ؛ إذ لا يصدر ذلك إلا من واحد قهّار. ﴿لا تسجدوا للشمسِ ولا للقمر﴾ ؛ فإنها مخلوقان مثلكم، وإن كثرت منافعهما، ﴿واسجُدُوا لله الذي خلقهنَّ﴾ أي : الليل والنهار والشمس والقمر. وحكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى أو الإناث في الضمير، تقول : الأقلام بريتها وبريتهنّ. ولعلّ ناساً من المشركين كانوا يسجدون للشمس والقمر، تبعاً للصّابئين من المجوس في عبادتهم الكواكب، ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لها السجود لله ـ تعالى ـ فنُهوا عن هذه الواسطة، وأُمِرُوا أن يقصدوا بسجودهم وَجْهَ الله وحده، إن كانوا موحدين، ولذلك قال :﴿إِن كنتم إِياه تعبدون﴾ فإن السجود أقصى مراتب العبادة، فلا بد من تخصيصه به سبحانه، وهذا موضع السجدة عند مالك والشافعي، وعند أبي حنيفة :(لا يسأمون).
﴿فإِن استكبروا﴾ عن الامتثال، ﴿فالذين عند ربك﴾ من الملائكة ﴿يُسبّحون له بالليل والنهار﴾ أي : دائماً، ﴿وهم لا يسأمون﴾ ؛ لا يملُّون ولا يَفْتُرون، والمعنى : فإن استكبر هؤلاء وأَبوا إلا الواسطة، فدعْهم وشأنَهم، فإن الله غني عنهم، وقد عمّر سماواته بمَن يعبده، وينزهه بالليل والنهار عن الأنداد. والعندية عبارة عن الزلفى والكرامة.
﴿ومن آياته﴾ أيضاً ﴿أنك ترى الأرضَ خاشعةً﴾ ؛ يابسةً مغبرة. والخشوع : التذلُّل، فاستعير للأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها، ﴿فإِذا أنزلنا عليها الماء﴾ ؛ المطر ﴿اهتزّتْ﴾ أي : تحركت ﴿ورَبَتْ﴾ ؛ انتفخت ؛ لأن النبات إذا دنا أن يظهر ارتفعت به وانتفخت، ثم تصدّعت عن النبات، وقيل : تزخرفت وارتفعت بارتفاع نباتها، ﴿إِنَّ الذي أحياها لمحيي الموتَى﴾ بالبعث، ﴿إِنه على كل شيءٍ قديرٌ﴾، ومن جملة الأشياء : البعث والحساب.