وقيل : الآية جرت على طريق الكناية، كقولهم : مثلك لا يبخل، وغيرك لا يجود، أي : أنت لا تبخل ؛ لأنه إذا نفي البخل عمن هو مثله كان نفيه عنه أولى.
ثم قال تعالى :﴿وهو السميعُ البصيرُ﴾ ؛ سميع لجميع المسموعات بلا آذان، بصير بجميع المبصرات بلا أجفان. وذكرهما لئلا يتوهم أنه لا صفة له، كما لا مثل له، وقدّم تنزيهه عن المماثلة على وصفه بالسمع والبصر ليعلمنا أن سمعه وبصره ليس كسمعنا وبصرنا.
٣٦٢
﴿له مقاليدُ السماواتِ والأرضِ﴾ مفاتيح خزائنها، ﴿يبسطُ الرزقَ لمَن يشاءُ﴾ أي : يوسعه ﴿ويَقْدرُ﴾ أي : يُضيق على ما تقتضيه المناسبة المبنية على الحِكَم البالغة. ﴿إِنه بكل شيءٍ عليمٌ﴾ لا يخفى عليه شيء، فيفعل كل ما يفعل على ما ينبغي أن يفعل، على ما تقتضيه مشيئته وحكمته البالغة.
قال ابن عرفة : تضمنت هذه الآية وصفه تعالى بجميع صفات الكمال، فالقدرة في قوله :﴿فاطر السماوات والأرض﴾ والوحدانية في قوله :﴿ليس كمثله شيء﴾ والإرادة في قوله :﴿يبسط الرزق لمَن يشاء﴾ ؛ لأن تخصيص البعض بالبسط إنما هو بالإرادة. والعلم في قوله :﴿إنه بكل شيء عليم﴾، والكلام في قوله :﴿شرع لكم من الدين﴾ ؛ لأن المراد به الحكم الشرعي، وهو خطاب الله تعالى المعلّق بأفعال المكلفين، وخطابه كلامه. هـ. زاد في الحاشية الفاسية : يعني وكل وصف من هذه الأوصاف يستلزم الحياة، مع أنه قال :﴿يُحيي الموتى﴾ والإحياء إنما يكون من الحي. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦١


الصفحة التالية
Icon