وعن عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ : هذه أرجى آيةٍ للمؤمنين في القرآن ؛ لأنّ الكريمَ إذا عاقب مرةً لا يُعاقِب ثانياً، وإذا عفا لا يعود. هـ. وقد تقدّم حديثاً. قال في الحاشية الفاسية : قلت : وإنما يعفو في الدنيا عما يشاء، ويؤخر عقوبة مَن شاء إلى الآخرة، فلا يلزم إبطال وعيد الآخرة. ثم الآية إما خاصة بالحدود، أو بالمجرم المذنب، وأما مَن لا ذنب له فما يُصيبه من البلاء اجتباء، وتخصيص، لا تمحيص. هـ.
قلت : لكل مقام ذنب، حسنات الأبرار سيئات المقربين، فالتمحيص جار في كل مقام، وراجع ما تقدم عند قوله :﴿لَّقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ...﴾ [التوبة : ١١٧] وسيأتي عند قوله :﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ...﴾ [محمد : ١٩] ما يبين هذا. والله أعلم.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٩
وما أنتم بمعجزين في الأرض﴾ أي : ما أنتم بفائتين ما قُضيَ عليكم من المصائب، وإن هجرتم في أقطارها كل مهرب، ﴿وما لكم من دون الله من وليّ﴾ متولِّ يحميكم منها ﴿ولا نصيرٍ﴾ يدفعها عنكم، أو يدفع عذابه إن حلّ. الإشارة : إذا كان العبد عند الله في عين العناية أدّبه في الدنيا، ويبقى في حال قربه، وإذا كان عنده في عين الإهمال ؛ أمهل عقوبته إلى دار البقاء، وربما استدرجه بالنعم في
٣٨٠
حال إساءته، والعياذ بالله من مكره. وإذا علم العبد أن ما يصيبه في هذه الدار من الأكدار كلها تخليص وتمحيص ؛ لم يستوحش منها، بل يفرح بها ؛ إذ هي علامة العناية، وإذا كانت على أيدي الناس، لم يقابلهم بالانتصار، بل يعفو ويصفح ؛ لعِلمه أن ذلك زيارة وترقية. وقوله تعالى :﴿ويعفو عن كثير﴾ هذا ـ والله أعلم ـ في حق العامة، وأما الخاصة ؛ فيشدد عليهم المحاسبة والتأديب ؛ ليرفع مقامهم، ويُكرم مثواهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٩