﴿فإِنْ أعرضوا﴾ عن الإيمان ﴿فما أرسلناك عليهم حفيظاً﴾ ؛ رقيباً، تحفظ أعمالهم، وتحاسبهم، ﴿إِنْ عليك إِلا البلاغُ﴾ ؛ ما عليك إلا تبليغ الرسالة، وقد بلغت، وليس المانع لهم من الإيمان عدم التبليغ، وإنما المانع : الطغيان وبطر النعمة، كما قال تعالى :﴿وإِنَّا إِذا أَذقنا الإِنسانَ منا رحمةً﴾ أي : نعمة من الصحة، والغنى، والأمن، ﴿فرح بها﴾ وقابلها بالبطر، وتوصّل بها إلى المخالفة والعصيان. وأريد بالإنسان الجنس، لقوله تعالى :﴿وإِن تُصبهم سيئة﴾، بلاء، من مرض، وفقر، وخوف، ﴿بما قدمتْ أيديهمْ فإِنَّ الإِنسانَ كفورٌ﴾ ؛ بليغ الكفر، ينسى النعمة رأساً، ويذكر البلية، ويستعظمها، بل يزعم أنها أصابته من غير استحقاق.
وأفرد الضمير في (فرح) مراعاة للفظ، وجمعه في " تُصبهم " مراعاة للمعنى. وإسناد هذه الخصلة إلى الجنس مع كونها من خواص الجنس، لغلبتها فيهم. وتصدير الشرطية الأُولى بإذا، مع إسناد الإذاقة إلى نون العظمة ؛ للتنبيه على أن إيصال الرحمة محقق الوجود، كثير الوقوع، وأنه مراد بالذات، كما أن تصدير الثانية بأن، وإسناد الإصابة إلى السيئة، وتعليلها بأعمالهم ؛ للإيذان بندرة وقوعها، وأنها غير مرادة بالذات، " إن رحمتي سبقت غضبي ". ووضع الظاهر موضع الضمير للتسجيل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم. قاله أبو السعود.
الإشارة : من تنكبتْه العناية السابقة، وأدركته الغواية اللاحقة، لم ينفع فيه وعظ ولا تذكير، وليس له من عذاب الله وليّ ولا نصير، فإذا تحققت الحقائق، وطلب الرجوع، لم يجد له سبيلاً، وبَقِيَ في الهوان خاشعاً ذليلاً، فيُعيرهم مَن سبقتْ لهم العناية، من أهل
٣٨٧
الجد والتشمير، ويقولون : هؤلاء الذين خسروا أنفسهم، حيث لم يُتعبوها في مرضاة الله، وأهليهم، حيث لم يذكِّروهم الله.


الصفحة التالية
Icon