تكون هذه الحالة إلا للأكابر من أهل الفناء والبقاء. وأما مكالمة الحق من النور الأقدس، بلا واسطة، فهو خاص نبينا ﷺ ليلة الإسراء. قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمن الفاسي رضي الله عنه : والذي عندي أن التكلم على المكافحة والمشابهة إنما يكون بالانخلاع عن البشرية، ومحوها، والبقاء بصفات الربوبية، وذلك إشارة إلى أنه عليه السلام إنما شُوفَه وكلّم بعد العروج عن أرض الطبيعة إلى سماء الحقيقة. وكان بالأرض يُكلم بالواسطة، وموسى كُلّم بغير واسطة، ولكن بغير مشافهة، ولذلك كان كلامه بالأرض، ولم يعط الرؤية ؛ لأنها لا تكون في الأرض، أي في أرض البشرية، بل لا بد من الغيبة عنها. وذهب الورتجبي إلى أن الحصْر فيما ذكر في الآية إنما هو لمَن كان في حجاب البشرية، فأما مَن خرج عنها إلى الغيب، وألبس نور القرب وكحّل عينه بنوره تعالى، ومدّ سمعه بقوة الربوبية، فإنه يُخاطب كفاحاً وعياناً. ونقل مثل ذلك عن الواسطي، فراجع بسطه فيه. والفرق بينه وبين ما ذكرنا : أن خطاب المكافحة عنده خارجة من الثلاثة المذكورة في الآية، وعندنا داخلة في قوله :﴿إِلا وحياً﴾ ؛ لأنه أعم من المشافهة، والله أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٩
وقوله تعالى :﴿وإِنك لَتَهدي إِلى صراط مستقيم﴾ أي : طريق الوصول والترقي أبداً، فيؤخذ منه : أن وساطته ﷺ لا تنقطع عن المريد أبداً ؛ لأن الترقي يكون باستعمال أدب العبودية، وهي مأخوذة عنه ﷺ، وكما أن الترقي لا ينقطع ؛ فالأدب الذي هو سلوك طريقته ﷺ لا ينقطع. والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
٣٩١
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٩