سورة سبإ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٠
يقول الحق جلّ جلاله :﴿الحمدُ لله﴾ إن أُجري على المعهود فهو بما حمد به نفسه محمود، وإن أجرى على الاستغراق فله لكل المحامد الاستحقاق. واللام في (لله) للتمليك ؛ لأنه خالقُ ناطقِ الحمد أصلاً، فكان بملكه مالك للحمد، وللتحميد أهلاً، ﴿الذي له ما في السماوات وما في الأرض﴾ خلقاً، وملكاً، وقهراً، فكان حقيقياً بأن يُحمد سرًّا وجهراً، ﴿وله الحمدُ في الآخرة﴾ كما له الحمد في الدنيا ؛ إذ النعم في الدارين هو مُوليها والمُنعم بها. غير أن الحمد هنا واجب ؛ لأن الدنيا دار التكليف. وثمَّ لا ؛ لأن الدار دار التعريف، لا دار التكليف. وإنما يحمد أهل الجنة سروراً بالنعيم، وتلذذاً بما نالوا من الفوز العظيم، كقوله :﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ...﴾ [الزمر : ٧٤] و ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ...﴾ [فاطر : ٣٤] فأشار إلى استحقاقه الحمد في الدنيا بقوله :﴿الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض﴾ وأشار إلى استحقاقه في الآخرة بقوله :﴿وله الحمدُ في الآخرة وهو الحكيمُ﴾ بتدبير ما في السماوات والأرض، ﴿الخبيرُ﴾ بضمير مَن يحمده ليوم الجزاء والعَرْض.
﴿يعلمُ ما يَلِجُ﴾ ما يدخل ﴿في الأرض﴾ من الأموات والدفائن، ﴿وما يخرج منها﴾ من النبات وجواهر المعادن، ﴿وما ينزلُ من السماء﴾ من الأمطار وأنواع البركات، ﴿وما يعرجُ﴾ يصعد ﴿فيها﴾ من الملائكة والدعوات، ﴿وهو الرحيمُ﴾ بإنزال ما يحتاجون إليه،
٦١
﴿الغفورُ﴾ بما يجترئون عليه. قاله النسفي.