يقول الحق جلّ جلاله :﴿أفرأيتَ مَن اتخذ إِلهَهُ هواه﴾ أي : أباح لنفسه كل ما تهواه، سواء كان مباحاً أو غير مباح، فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه، وإليه أشار في المباحث بقوله :
ومَن أباح النفس ما تهواه
فإنما معبوده هواه
فالآية وإن نزلت في هوى الكفر ؛ فهي متناولة لكل هوى النفس الأمَّارة، قال ابن جبير : نزلت في قريش والعرب، كانوا يعبدون الحجارة والذهب والفضة، فإذا وجدوا شيئاً أحسن أَلْقَوه وعبدوا غيره. هـ. ومتابعة الهوى كلها مذمومة، فإن كان ما هوته مُحرّماً أفضى بصاحبه إلى العقاب، وإن كان مباحاً بقي صاحبه في غم الحجاب وسوء الحساب، وأسْرِ نفسه وكدِّ طبعه. وفي الحديث عنه ﷺ :" ما عُبد تحت السماء أبغض إلى الله تعالى من هوى "، وقال ﷺ :" ثلاثٌ مهلكات ؛ شحٌّ مطاع، وهوىً متبع، وإعجابُ المرء بنفسه " وقال أيضاً :" الكيِّسُ مَن دان نفسه، وعَمِلَ لما بعد الموت، والعاجز مَن أَتبع نفسَه هواها، وتمنَّى على الله "، وسيأتي في الإشارة تمامه.
ثم قال تعالى :﴿وأضلَّه اللّهُ على علم﴾ أي : خذله على علم منه، باختياره
٧١
الضلالة، أي : عالماً بضلاله، وتبديله لفطرة الله التي فطر الناس عليها. وقيل : نزلت في أمية بن أبي الصلت، وكان عنده علم بالكتب المتقدمة، فكان ينتظر بعثة الرسول ﷺ، فلما ظهر، قال : ما كنتُ لأومن لرسول ليس من ثقيف، وأشعاره محشوة بالتوحيد، ولكن سبق له الشقاء، فلم يؤمن، وختم على سمعه فلا يقبل وعظاً وقلبه، فلا يعتقد حقاً أي : لا يتأثر بالمواعظ، ولا يتكفّر في الآيات والنُذر. ﴿وجَعَلَ على بصره غشاوةً﴾ أي : ظلمة مانعة نم الاعتبار والاستبصار، ﴿فمَن يهديه من بعدِ الله﴾ من بعد إضلال الله إياه ؟ ﴿أفلا تَذَكَّرون﴾ أفلا تتعظون، فتُسلمون الأمور إلى مولاها، يُضل مَن يشاء ويهدي مَن يشاء.


الصفحة التالية
Icon