ثمرتها، عاجلاً وآجلاً، ولا يفترنَّكم عن المجاهدة طولُ الأمل. إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ؛ أي : ساعة من نهار، وإن تُؤمنوا بكل ما وعدَ اللّهُ، وتتقوا كل ما يشغل عن الله، يُؤتكم أجوركم عاجلاً وآجلاً، ولا يسألكم الداعي إليه جميعَ أموالكم، إنما يسألكم ما يَخف عليكم، تُقدموه بين يدي نجواكم، ولو سألكم جميع أموالكم لبخلتم، ويُخرج إضغانكم، وهذا في حق عامة المريدين، وأما الخاصة الأقوياء، فلو سُئلوا أرواحَهم لبذلوها، واستحقروها في جنب ما نالوا من الخصوصية، وأما أموالهم فأهون عندهم من أن يبخلوا بشيء منها، ويُقال لعامة الطالبين للوصول :﴿ها أنتم هؤلاء تُدعون...﴾ الآية.
قال القشيري : والله الغني لذاته بذاته، ومن غنائه : تمكُّنه من تنفيذ مُراده، واستغناؤه عما سواه، وأنتم الفقراء إلى الله، في نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، في الابتداء ليخلقكم، وفي الوسط ليُربيكم، وفي الانتهاء يفنيكم عن أنانيتكم، ويُبقيكم بهويته، فالله غني عنكم من الأزل إلى الأبد، وأنتم الفقراء محتاجون إليه من الأزل إلى الأبد. هـ. وإن تتولوا عن السير، وتركنوا إلى الرخص والشهوات قبل التمكين، يستبدل قوماً غيركم، يكونوا أحزم منكم، وأشد مجاهدة، صادقين في الطلب، ثابتين القَدم في آداب العبودية، قد أدركتهم جذباتُ العناية، وهَبَّتْ عليهم ريحُ الهداية، ثم لا يكونوا أمثالكم في التولِّي والضعف، حتى يصلوا إلى مولاهم. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى لله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلّم.
١٣٠
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٢٧