بل ظننتم أن لن ينقلب الرسولُ والمؤمنون إِلى أهليهم أبداً} بأن يستأصلهم المشركون بالموت، فخشيتم إن كنتم معهم أن يُصيبكم ذلك، فتخلّفتم لأجل ذلك، لا لما ذكرتم من المعاذيرالباطلة، ﴿وزُيِّنَ ذلك في قلوبكم﴾ زيّنه الشيطانُ وقبلتموه، واشتغلتم بشأن أنفسكم، غير مبالين بهم، ﴿وظننتم ظنَّ السَّوء﴾ والمراد به الظن الأول، والتكرير لتشديد التوبيخ والتسجيل عليه بالسوء، أو ما يعمه وغيره من الظنون الفاسدة، كعلو الكفر، وظهور الفساد، وعدم صحة رسالته ﷺ، فإن الجازم بصحتها لا يحول حول فكره هذه الظنون الباطلة، ﴿وكنتم قوماً بُوراً﴾ هالكين عند الله، مستوجبين لسخطه وعقابه، جمع : بائر، كعائذ وعُوذ، من بار الشيء : هلك وفسد، أي : كنتم قوماً فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونيّاتكم.
﴿ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإِنّا أعتدنا﴾ أعددنا ﴿للكافرين﴾ أي : لهم، فأٌقيم الظاهر مقام المضمر للإيذان بأن مَن لم يجمع بين الإيمان بالله وبرسوله فهو كافر مستوجب العسير. ونكَّر ﴿سعيراً﴾ لأنها نار مخصوصة، كما نكَّر ﴿نَاراً تَلَظَّى﴾ [الليل : ١٤]. وهذا كلام وارد من قِبله تعالى، غر داخل في الكلام المتقدم، مُقرر لبوارهم، ومُبيّن لكيفيته، أي : ومَن لم يؤمن كهؤلاء المتخلفين، فإنا أعتدنا له سعيراً يحترق بها.
﴿ولله مُلكُ السماوات والأرض﴾ يُدبره تدبير قادر حكيم، ويتصرف فيهما وفيما بينهما كيف يشاء، ﴿يغفر لمن يشاء ويُعذِّب من يشاء﴾ بقدرته وحكمته، من غير دخل لأحد في شيء، ومن حكمته : مغفرته للمؤمنين وتعذيبه للكافرين. ﴿وكان الله غفوراً رحيماً﴾ مبالغاً في المغفرة والرحمة لمَن يشاء، أي : لمَن تقتضي الحكمة مغفرته ممن يؤمن به وبرسوله، وأما مَن عداه من الكفر فبمعزل من ذلك قطعاً.


الصفحة التالية
Icon