واختار ابن عطية : أن المَثَل شامل للنبي ﷺ وللصحابة، فإنّ النبي ﷺ بُعِث وحده، فهو الزرع، حَبّة واحدة، ثم كثُر المسلمون، فهم كالشطْءِ، تَقَوّى بهم صلى الله عليه وسلم. ﴿ليغيظ بهم الكفار﴾ تعليل لما يُعرب عنه الكلامُ من تشبيههم بالزرع في ذكائه واستحكامه، أي : جعلهم كذلك ليغيظ بهم مَن كَفَر بالله.
﴿وَعَدَ اللّهُ الذين آمنوا وعملوا الصالحات مغفرةً وأجراً عظيماً﴾ استئناف مُبيِّن لما خصَّهم به من الكرامة في الآخرة، بعد بيان ما خصَّهم به في الدنيا، ويجوز أن يرجع لقوله :﴿ليغيظ بهم...﴾ الخ : أي : ليغيظ بهم وعَدهم بالمغفرة والأجر العظيم ؛ لأن الكفار إذا سمعوا ما أُعدّ لهم في الآخرة مع ما خصَّهم في الدنيا من العزة والنصر غاظهم ذلك أشد الغيظ، و " من " في " منهم " للبيان، كقوله :﴿فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ﴾ [الحج : ٣٠] أي : وعد الله الذين آمنوا من هؤلاء.
الإشارة : هو الذي أرسل رسول بالهدى : بيان الشرائع، ودين الحق : بيان الحقائق،
١٥٣
فمَن جمع بينهما من أمته ظهر دينُه وطريقته، وهذا هو الوليّ المحمدي، أعني : ظاهره شريعة، وباطنه حقيقة، وما وصَف به سبحانه أصحاب الرسول ﷺ هو وصْفُ الصوفية، أهل التربية النبوية، خصوصاً طريق الشاذلية، حتى قال بعضهم : مَن حلف أن طريق الشاذلية عليها كانت بواطنُ الصحابة ما حنث. وقوله تعالى :﴿يبتغون فضلاً من الله ورضواناً﴾ قال الورتجبي : أي : يطلبون مزيدَ كشف في الذات والدنو والوصالِ والبقاء مع بقائه بلا عتاب ولا حجاب، وهذا محل الرضوان الأكبر. هـ.
وقوله تعالى :﴿سيماهم في وجوههم﴾ أي : نورهم في وجوههم، لتوجهِهم نحو الحق، فإنَّ مَن قَرُب من نور الحق ظهرت عليه أنورا المعرفة، وجمالُها وبهاؤها، ولو كان زنجيّاً أو حبشيّاً، وفي ذلك قيل :
وعلى العارفين أيضاً بهاءُ
وعليهم من المحبّة نورُ


الصفحة التالية
Icon