وقوله :﴿أن تحبط أعمالُكم﴾ مفعول من أجله، أي : لا تجهروا خشية أن تحبط أعمالكم، ﴿وأنتم لا تشعرون﴾ فإنَّ سوء الأدب ربنا يؤدي بصاحبه إلى العطب وهو لا يشعر. ولمّا نزلت الآية جلس ثابت بن قيس في بيته ولم يخرج، فتَفقَّده ﷺ، فدعاه فسأله، فقال : يا رسول الله ؛ لقد أُنزلت عليك هذه الآية، وإني رجل جهير الصوت، فأخاف أن يكون عملي قد حبط، فقال له ﷺ :" لست هناك، تعيش بخير، وتموت بخير، وإنك من أهل الجنة ". وأما ما يُروى عن الحسن : أنها نزلت في المنافقين، الذي كانوا يرفعون أصواتهم فوق صوته ﷺ فقد قيل : محْمله : أنّ نهيهم مندرج تحت نهي المؤمنين بدليل النص.
﴿إِنَّ الذين يَغُضُّون أصواتَهم عند رسول الله﴾ أي : يخفضون أصواتهم في مجلسه، تعظيماً له، وانتهاءً عما عنه، ﴿أولئك الذين امتحن اللّهُ قلوبَهم للتقوى﴾ أي : أخلصها وصفَّاها، من قولهم : امتحن الذهب وفَتَنه : إذا أذابه، وفي القاموس : محنَه، كمنعه : اختبره، كامتحنه، ثم قال : وامتحن القول : نَظَرَ فيه ودبّره، والله قلوبَهم : شرحها ووسّعها، وفي الأساس : ومن المجاز : محنَ الأديمَ : مدّده حتى وسعه، وبه فسّر قوله تعالى :﴿امتحن اللّهُ قلوبَهم للتقوى﴾ أي : شرحها ووسعها، ﴿لهم مغفرة وأجرٌ عظيمٌ﴾ أي : مغفرة لذنوبهم، وأجر عظيم : نعيم الجنان. الإشارة : على هذه الآية والتي بعدها اعتمد الصوفية فيما دوَّنوه من آداب المريد مع الشيخ، وهي كثيرة أُفردت بالتأليف، وقد جمع شيخنا البوزيدي الحسني رضي الله عنه كتاباً جليلاً جمع فيه من الآداب ما لم يُوجد في غيره، فيجب على كل مريد طالب للوصول مطالعتُه والعملُ بما فيه.


الصفحة التالية
Icon