وليس قوله :﴿ولمّا يدخل الإيمانُ في قلوبكم﴾ تكريراً لمعنى قوله :﴿لم تؤمنوا﴾ فإنّ فائدة قوله :﴿لم تؤمنوا﴾ تكذيب دعواهم، وقوله :﴿ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم﴾ توقيت لما أُمروا به أن يقولوه، كأنه قيل لهم : ولكن قولوا أسلمنا حين لم يثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم ؛ لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في " قولوا ". قاله النسفي.
﴿
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٧٦
وإِن تُطيعوا اللّهَ ورسولَه﴾
بالإخلاص وترك النفاق ﴿لا يَلِتْكُم من أعمالكم شيئاً﴾ من أجورها. يقال : ألَت يألِتُ، وألات يُليت، ولات يلِيت، بمعنى، وهو النقص، ﴿إِنَّ اللّهَ غفور﴾ لما فرط من الذنوب، ﴿رحيمٌ﴾ يستر العيوب.
﴿إِنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسولِه ثم لم يرتابوا﴾ لم يَشُكُّوا، من : ارتاب، مضارع رابه : إذا أوقعه في الشك والتُهمة، والمعنى : أنهم آمنوا ثم لم يقع في إيمانهم شك فيما آمنوا، ولا اتهام لمَن صدّقوه، ولمَا كان الإيقان وزوال الريب ملاك الإيمان أُفرد بالذكر بعد تقدُّم الإيمان، تنبيهاً على عُلو مكانه، وعُطف على الإيمان بثمّ ؛ إشعاراً باستقراره في الأزمنة المتراخية المتطاولة غضّاً جديداً. ﴿وجاهدوا بأموالهم وأنفسِهم في سبيل الله﴾ أي : جاهَدوا ما ينبغي جهاده في الكفار والأنفس والهوى، بالإعانة بأموالهم، والمباشرة بأنفسهم في طلب رضى الله :﴿أولئك هم الصادقون﴾ أي : الذي صدقوا في قلوبهم : آمنا، لم يُكذِّبوا كما كذَّب أعرابُ بني أسد ؛ بل إيمانهم إيمان صِدق وحق. والله تعالى أعلم.
الإشارة : مذهب الصوفية : أن العمل إذا كان حدّه الجوارح الظاهرة يُسمى مقام الإسلام، وإذا انتقل لتصفية البواطن بالرياضة والمجاهدة يُسمى مقام الإيمان، وإذا فتح على العبد بأسرار الحقيقة يُسمى مقام الإحسان، وقد جعل الساحلي مقامَ الإسلام مُركّباً
١٧٧


الصفحة التالية
Icon