وإن تطيعوا الله ورسوله} في الأوامر والنواهي بعد ذبح النفوس بسيف الصدق ﴿لا يَلِتكم من أعمالكم شيئاً﴾ بل كل ما تتقربون به إلى الله من مجاهدة النفوس ترون جزاءه عاجلاً، من كشف غطاء وحلاوة شهود، إن الله غفور لمَن وقع له فتور، رحيم بمَن وقع منه نهوض، ﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله﴾ وشاهَدوا أنواره وأسراره، ﴿ورسولِهِ﴾ حيث عرفوا حقيقته النورانية الأولية، ﴿ثم لم يرتابوا﴾ لم يخطر على بالهم خواطر سوء، ولا شكوك فيما وعد الله من الرزق وغيره ؛ لأنَّ حجاب نفوسهم قد زال عنهم، فصار الغيب شهادة، والخبر عياناً، والتعبير بـ " ثم " يقتضي تأخُّر تربية اليقين شيئاً فشيئاً حتى يحصل التمكين في مقامات اليقين، مع التمكين في مقام الشهود والعيان.
ثم ذكر سبب إزاحة الشكوك عنهم بقوله :﴿وجاهَدوا بأموالهم﴾ حيث بذلوها لله ﴿وأنفسِهم﴾ حيث جاهدوها في طلب الله ﴿أولئك هم الصادقون﴾ في طلب الحق، فظفروا بما أمّلوا، وربحوا فيما به تجروا. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٧٦
١٧٨
يقول الحق جلّ جلاله :﴿قل أتُعَلِّمون اللّهَ بدينِكم﴾ أي : أتُخبرونه بذلك بقولكم آمنّا ؟ رُوي أنه لمّا نزل قوله :﴿قل لم تؤمنوا﴾ جاؤوا يحلفون إنهم لصادقون فأكذبهم الله بقوله :﴿قل أتُعلمون..﴾ الخ. والتعبير عنه بالتعليم لغاية تشنيعهم، كأنهم وصفوه تعالى بالجهل. قال الهروي : و " علَّمت " و " أعلمت " في اللغة بمعنى واحد، وفي القاموس : وعلّمه العلم تعليماً، وأعلمه إياه فتعلّمه. هـ. ﴿واللّهُ يعلمُ ما في السماوات وما في الأرض﴾ فلا يحتاج إلى إعلام أحد، وهو حال مؤكدة لتشنيعهم، ﴿واللّهُ بكل شيءٍ عليمٌ﴾ أي : مبالغ في العلم بجميع الأشياء، التي من جملتها ما أخفوه من الكفر عند أظهارهم الإيمان.


الصفحة التالية
Icon