ثم قالوا :﴿أئِذا متنا وكنا تُراباً﴾ أي : أنُبعث حين نموت ونصير تراباً كما يقوله هذا النذير ؟ ﴿ذلك رجع بعيد﴾ أي : ذلك البعث بعد هذه الحالة رجوع مستبعَد، منكَر، بعيد من الوهم والعادة. فالعامل في " إذا " محذوف مفهوم من الكلام كما قدرنا. قال تعالى :﴿قد عَلِما ما تنقصُ الأرضُ منهم﴾ وهو ردّ لاستبعادهم ؛ فإنَّ مَن عمّ علمه ولطفه حتى ينتهي إلى حيث علم ما تنقص الأرضُ من أجساد الموتى، وتأكل من لحومهم وعظمهم، كيف يستبعد رجعه إياهم أحياء كما كانوا ؟ ! عن النبي ﷺ :" كلُّ ابن آدم يأكله التراب إلا عَجْبُ الذَّنَب، ومنه خُلق، وفيه يُرَكَّب " وهو العُصْعص، وقال في المصباح : العَجْب - كفلْس - من كل دابة : ما انضم عليه الورِك من أصل الذَّنَب. هـ. وهو عَظم صغير قدر الحمصة، لا تأكله الأرض، كما لا تأكل أجساد الأنبياء والأولياء والشهداء. قال ابن عطية : حفظ ما تنقص الأرض إنما هو لِيعود بعينه يوم القيامة، وهذا هو الحق. وذهب بعض الأصوليين إلى أن الأجساد المبعوثة يجوز أن تكون غير هذه، هذا عندي خلاف ظاهر كتاب الله، ولو كانت غيرها كيف كانت تشهد الجلود والأيدي ولأرجل على الكفرة ؟ إلى غير ذلك مما يقتضي أن أسجاد الدنيا هي التي تعود. هـ.
﴿وعندنا كتابٌ حفيظ﴾ لتفاصيل الأشياء، أو : محفوظ من التغيير، وهو اللوح المحفوظ، أو : حافظاً لما أودعه وكتب فيه، أو : يريد علمه تعالى، فيكون تمثيلاً لعلمه تعالى بكليات الأشياء وجزيئاتها، بعلم مَنْ عنده كتاب حفيظ يتلقى منه كل شيء.
﴿بل كذّبوا بالحق﴾ إضراب وانتقال من بيان شناعتهم السابقة، وتكذيب البعث، إلى ما أشنع منه وأفظع، وهو تكذيبهم للنبوة الثابتة بالمعجزات الباهرة، ﴿لَمَّا جاءهم﴾ من غير تأمُّل وتفكُّر، وقيل : الحق : القرآن، أو : الإخبار بالبعث، ﴿فهم في أمر مَرِيج﴾ مضطرب، لا قرار له، يقال : مرج الخاتم في أصبعه إذا اضطرب من سعته، فيقولون تارة :
١٨٢