﴿أفَعيِينَا بالخلق الأول﴾ استئناف مقرر لصحة البعث، الذي حكيت أحوال المنكرين له من الأمم المهلكة. والعَيُّ بالأمر : العجز عنه، يقال : عيى بالأمر : إذا لم يهتدِ لوجه عمله. والهمزة للإنكار، والفاء : عطف على مقدر، ينبئ عنه المقام، كأنه قيل : أقصدنا الخلق الأول فعجزنا عنه حتى يتوهم عجزنا عن الإعادة ؟ ﴿بل هم في لَبْسِ من خَلقٍ جديدٍ﴾ أي : بل هم في لبس وخلط وشُبهة، قد لبس عليهم الشيطان وحيّرهم، حيث سؤَّل لهم أن إحياء الموتى خارج عن العادة، فتركوا لذلك الاستدلال الصحيح، وهو : أن
١٨٥
مَن قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر. وهو معطوف على مقدر يدل عليه ما قبله، كأنه قيل : هم غير منكرين لقدرتنا على الخلق الأول، بل هم في خلط وشبهة من خلق مستأنف جديد. وتنكير " خلق " لتفخيم شأنه، والإشعار بخروجه عن حدود العادة، والإيذان بأنه حقيق بأن يبحث عنه ويهتم بمعرفته.
الإشارة : قال القشيري : الإشارة في الآية إلى أنَّ الغالب في كل زمان غلبة الهوى والطبيعة الحيوانية واستيلاء الحس على الناس، نفوسهم متمردة. بعيدة من الحق، قريبة من الباطل، كلما جاء إليهم رسول كذّبوه، وعلى ما جاء به قاتلوه، فحقَّ عليهم عذابُ ربهم، لَمَّا كفروا نِعَمَه، فما أعياه إهلاكهم. هـ. قلت : وكذلك جرى في كل زمان، كل مَن أَمَر الناس بإخراجهم عن عوائدهم، ومخالفة أهوائهم، رفضوه وعادوه، فقلَّ بسبب ذلك المخلصون، وكثر المخلطون، فإذا قالوا : لا يمكن الإخراج عن العوائد، قلنا : القدرة صالحة، قال تعالى :﴿أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد﴾ وهو إحياء القلب الميت، فيجدّد إيمانه، وتحيا روحه حياة سرمدية. وبالله التوفيق.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٨٤