واعلم أن الروح إذا عشقت شيئاً فإن كان من الدنيا يُسمى حرصاً، وإن كان في جانب الحق سُمي محبة وشوقاً، وفي الحقيقة ما هي إلا محبة واحدة، إلا أنها لما تاهت انقلبت محبتها للفروقات الحسية، وغابت عن المعاني الأزلية، وكلما زاد في الحرص نقص في المحبة، وما نقص من الحرص زاد في المحبة. ويقال : كلما زادت محبة الحس نقصت المعنى، وبالعكس، وإذا اشتعلت نار المحبة فلا تسكن بما يلقى فيها من الأمور الحسية، كانت حظوظاً أو حقوقاً، بل كلما ألقي فيها تقول : هل من مزيد، حتى يضع الجبار قدمه، وهو قذف نور معرفته في القلب، فحينئذ يحصل الفناء وتقول : قط قط. ثم أخبر عن حال المؤمنين بقوله :﴿وأُزلفت الجنة للمتقين﴾ أي : قربت جنة المعارف إلى قلوب خواص المتقين، الذي اتقوا ما سوى الله، فقربت منهم، ودَخَلوها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قربت إليهم الجنة الحسية في المحشر، فيركبون في قصورها وغرفها، وتطير بهم إلى الجنة، فلا يسحون بالصراط ولا بالنار، وفيهم قال تعالى :﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾ [الأنبياء : ١٠٢] والناس على ثلاثة أصناف : قوم يُحشرون إلى الجنة مشاة، وهم الذين قال الله فيهم :﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً﴾ [الزمر : ٧٣] وهم عوام المؤمنين، وقوم يُحشرون إلى الجنة ركباناً على طاعتهم، المصورة لهم على صورة المراكب، وهؤلاء الخواص من العباد والزهّاد والعلماء والصالحين، وأما خواص الخواص، وهم العارفون ومَن تعلق بهم، فهم الذين قال الله فيهم :﴿وأزلفت الجنة للمتقين﴾ تُقرب منهم، فيركبون فيها، ويسرحون إلى الجنة. انظر القشيري.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٩٢