وفي عادٍ، وهي جند النفس وأوصاف البشرية، من التكبُّر، والحسد، والحرص، وغير ذلك، إذ أرسلنا عليهم الريحَ العقيم ؛ ريح المجاهدة والمكابدة. أو : ريح الواردات القهرية، ما تذر من شيء من الأوصاف المذمومة إلا أهلكته، وجعلته كالرميم. وفي ثمود، وهم أهل الغفلة، إذ قيل لهم : تمتعوا بدنياكم إلى حين زمان قليل ؛ مدة عمركم القصير، فعتوا : تكبّروا عن أمر ربهم، وهو الزهد في الدنيا، والخضوع لمَن يدعوهم إلى الله، فأحذتهم صاعقة الموت على الغفلة والبطالة، وهم لا ينظرون إلى ارتحالهم عما جمعوا، فما استطاعوا من قيام، حتى يدفعوا ما نزل بهم، ولو افتدوا بالدنيا وما فيها، وما كانوا ممتنعين من قهرية الموت، فرحلوا بغير زاد ولا استعداد. وقوم نوح من قبل، وهو مَن سلف من الأمم الغافلة، إنهم كانوا قوماً فاسقين خارجين عن حضرتنا.
والسماء، أي : سماء الأرواح، بنيناها ورفعناها بأَيد، ورفعنا إليها مَن أحببنا من عبادنا، وإنا لمُوسعون على المتوجهين إلينا في المعارف والأنوار، والعلوم والأسرار، والأرض ؛ وأرض النفوس، فرشناها للعبودية، والقيام بآداب الربوبية، فنِعم الماهدون، مهدنا الطريق لذوي التحقيق، ومن كل شيء من تجليات الحق، خلقنا، أي : أظهرنا زوجين، الحسن والمعنى، الحكمة والقدرة، الشريعة والحقيقة، الفرق والجمع، الملك والملكوت، الأشباح والأرواح، الذات والصفات، فتجلى الحق جلّ جلاله بين هذين الضدين ؛ ليبقى الكنز مدفوناً، والسر مصوناً، ولو تجلّى بضد واحد لبطلت الحكمة وتعطلت أسرار الربوبية، فمَن لم يعرف الله تعالى في هذين الضدين، لم يعرفه أبداً، ومَن لم يُفرق بين هذين الضدين، في هذه الأشياء المذكورة، لم تنسج فكرته، فصفاء الغزول هو التمييز بين هذين الضدين، ذوقاً، وبينهما تنسج الفكرة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢١٢


الصفحة التالية
Icon