يقول الحق جلّ جلاله :﴿فَفِرُّوا إِلى الله﴾ الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي : إذا كان الأمر كما ذكر من شؤونه تعالى في إهلاك مَن تعدى الحدود، ففِروا إلى الله
٢١٤
بالإيمان والطاعة، كي تنجوا من غضبه، وتفوزوا بثواب، أو : ففِرُّوا من الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، أو : من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن، ﴿إِني لكم منه نذير مبين﴾ تعليل للأمر بالفرار إلأيه تعالى، فإنَّ كونه ﷺ منذراً منه تعالى، لا من تلقاء نفسه، موجب للفرار، وفيه وعد كرمي بنجاتهم من الهروب، وفوزهم بالمطلوب، ﴿ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر﴾ هو نهي موجبٌ للفرار من سبب العقاب، بعد الأمر بالفرار من نفس العقاب، كما يُشعر به قوله تعالى :﴿إِني لكم منه﴾ أي : من الجعل المنهي عنه ﴿نذير مبين﴾ كأنه قيل : ففرُّوا إلى الله من عقابه، ومن سببه، وهو جعلكم مع الله إلهاً آخر.
﴿كذلك﴾ أي : الأمر ما ذكر من تكذيبهم الرسول، وتسميتهم له ساحراً أو مجنوناً، ثم فسر ما أجمل بقوله :﴿ما أتي الذين مِن قبلهم﴾ من قبل قومك ﴿مِن رسولٍ﴾ من رسل الله ﴿إلا قالوا﴾ في حقه : هو ﴿ساحرٌ أو مجنون﴾ فرموهم بالسحر والجنون ؛ لجهلهم، ﴿أتَواصَوا به﴾ الضمير للقول، أي : أتواصى الأولون والآخرون بهذا القول، حتى قالوه جميعاً متفقين عليه، ﴿بل هم قومً طاغون﴾ أي : لم يتواصوا به لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد، بل جمعتهم العلة الواحدة، وهي الطغيان، ﴿فتولَّ عنهم﴾ أي : أعرِضْ عن الذين كرّرت عليهم الدعوة، فلم يجيبوا عناداً، ﴿فما أنت بملومٍ﴾ فلا لوم عليك في إعراضك بعدما بلّغت الرسالة، وبذلت مجهودك في البلاغ والدعوة. ﴿وذَكِّرْ﴾ وَعِظ بالقرآن ﴿فإِنَّ الذكرى تنفعُ المؤمنين﴾ الذي قدّر الله سبحانه وتعالى إيمانهم، أو آمنوا بالفعل، فإنها تزيدهم بصيرة وقوة في اليقين والعلم. وبالله التوفيق.


الصفحة التالية
Icon