يقول الحق جلّ جلاله : لنبيه ﷺ ولمَن كان على قدمه :﴿واصبرْ لحُكم ربك﴾ بإمهالهم إلى اليوم الموعود مع مقاساتك آذاهم، أو : واصبر لِمَا حكم به عليك من شدائد الوقت، وإذاية الخلق، ﴿فإِنك بأعيُننا﴾ أي : حفظنا وحمايتنا، بحيث نراقبك ونكلؤك. والمراد بالحُكم : القضاء السابق، أي : لما قُضي به عليك، وفي إضافة الحُكم إلى عُنوان الربوبية تهييج على الصبر، وحل عليه، أي : إنما هو حُكم سيدك الذي يُربيك ويقوم بأمورك وحفظك، فما فيه إلا نفعك ورفعة قدرك. وجمع العين والضمير للإيذان بغاية الاعتناء بالحفظ والرعاية. ﴿وسبِّح بحمد ربك﴾ أي : نزِّهه ملتبساً بحمده على نعمائه الفائتة للحصر، ﴿حين تقومُ﴾ أي : من أيّ مكان قمت، أو : من منامك. وقال سعيد بن جبير : حين تقوم من مجلسك تقوم : سبحانك اللهم وبحمدك. وقال الضحاك والربيع : إذا قمت إلى الصلاة فقل : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّكَ، ولا إله غيرك. هـ. ﴿ومن الليل فسبِّحه﴾ أي : في بعض الليل وأفراده ؛ لأن العبادة فيه أشق على النفس، وأبعد من الرياء، كما يلوح به تقدميه على الفعل، والمراد إما الصلة في الليل، أو التسبيح باللسان ؛ سبحان الله وبحمده، ﴿وإِدبار النجوم﴾ أي : وقت إدبارها، أي : غيبتها بضوء الصبح، والمراد : آخر الليل، وقيل : التسبيح من الليل : صلاة العشاء، وإدبار النجوم : صلاة الفجر. وقرأ زيدٌ عن يعقوب بفتح الهمز، أي : أعقابها إذا غربت.
الإشارة : في هذه تسلية لأهل البلاء والجلال، فإنّ مَن عَلِمَ أن ما أصابه إنما هو حُكم ربه، الذي يقوم به ويحفظه، وهو بمرئً منه ومسمَعٍ، لا يهوله ما نزل، بل يزيده غبطةً وسروراً ؛ لعلمه بأنه ما أنزله به إلا لرفعة قدره، وتشحير ذهب نفسه، وقطع البقايا منه، فهو في الحقيقة نعمة لا نقمة، وفي الحِكَم :" مَن ظنّ انفكاك لطف الله عن قدره،
٢٣٠
فذلك لقصور نظره ".


الصفحة التالية
Icon