﴿فأعْرِضْ عَمَّن تولى عن ذِكْرِنا﴾ أي : عنهم، ووضع الموصول موضع ضميرهم للتوصل إلى وصفهم بما في حيز الصلة من الأوصاف القبيحة، ولتعليل الحكم، أي : فأعرض عمن تولى عن ذكرنا المفيد للعلم اليقيني، وهو القرآن المنطوي على علوم الأولين والآخرين، المذكِّر بالأمور الآخرة، أو : عن ذكرنا كما ينبغي، فإن ذلك يستتبع ذكر الآخرة وما فيها من الأمور المرغوب فيها والمرهوب عنها، قال الطيبي : أعرِضْ عن دعوة مَن تدعوه إلى لقاء ربه والدار الآخرة، وهو يقول :﴿ماهي إلا حياتنا الدنيا...﴾ الخ، ﴿ولم يُرِدْ إِلاَّ الحياةَ الدنيا﴾ وزخارفها، قاصراً نظره إليها، والمراد بالإعراض عنه : إهماله والغيبة عنه، فإنَّ مَن أعرض عن الذكر، وانهمك في الدنيا، بحيث كانت هي منتهى همته، وقصارى سعيه، لا تزيده الدعوة إلى خلافها إلا عناداً، وإصراراً على الباطل.
﴿
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٣٩
ذلك﴾
أي : ما هم فيه من التولِّي، وقصر الإرادة على الحياة الدنيا ؛ هو ﴿مبلغُهم من العلم﴾ أي : منتهى علمهم، لا يكادون يُجاوزونه إلى غيره، فلا تُجدي فيهم الدعوة والإرشاد شيئاً. وجمع الضمير بعد أن أفرده باعتبار معنى " مَن " ولفظها، والمراد بالعلم : مطلق الإدراك الشامل للظن الفاسد. ﴿إِنَّ ربك هو أعلم بمَن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بمَن اهتدى﴾ أي : هو أعلم بالضال والمهتدي ومجازاتهما، وهو تعليل الأمر بالإعراض،
٢٤٠
وتكرير " هو أعلم " لزيادة التقرير، وللإيذان بكمال تباين المعلومين، أي : هو المبالغ في العلم بمَن لا يرعوي عن الضلال، ومَن يَقبل الاهتداء في الجملة، فلا تتعب نفسك في دعوتهم، فإنهم من القبيل الأول.


الصفحة التالية
Icon