﴿وأن ليس للإِنسان إِلا ما سَعَى﴾ هو أيضاً مما في صحف موسى وإبراهيم، وهو بيان لعدم انتفاع الإنسان بعمل غيره، إثر بيان عدم انتفاعه من حيث رفع الضرر عنه به، وأما ما صحّ من الأخبار في الصدقة عن الميت والحج عنه، فلأنه لمَّا نواه عنه كان كالوكيل عنه، فهو نائب عنه. قال ابن عطية : الجمهور أنّ قوله :﴿وأن ليس للإِنسان إِلا ما سعى﴾ مُحْكَمٌ لا نسخ فيه، وهو لفظ عام مخصّص. هـ يعني : أن المراد : الكافر، وهكذا استقرئ من لفظ " الإنسان " في القرآن، وأما المؤمن فجاءت نصوص تقتضي انتفاعه بعمل غيره، إذا وهب له من صدقة ودعاء وشفاعة واستغفار، ونحو ذلك، وإلاَّ لم يكن فائدة لمشروعية ذلك، فيتصور التخصيص في لفظ " الإنسان " : وفي السعي، بأن يخص الإنسان بالكافر، أو السعي بالصلاة، ونحو ذلك مما لا يقبل النيابة مثلاً. والحاصل : أن الإيمان سعي يستتبع الانتفاع بسعي الغير، بخلاف من ليس له الإيمان. هـ قاله الفاسي : وكان عز الدين يحتج بهذه الآية في عدم وصول ثواب القراءة للميت، فلما مات رؤي في النوم، فقال : وجدنا الأمر خلاف ذلك.
قلت : أما في الأجور فيحصل الانتفاع بسعي الغير، إن نواه له، وأما في رفع الستور، وكشف الحجب، والترقي إلى مقام المقربين، فالآية صريحة فيه، لا تخصيص فيها ؛ إذ ليس للإنسان من حلاوة المشاهدة والقُرب إلا بقدر ما سعى من المجاهدة. والله تعالى أعلم.
٢٤٥
ثم قال :﴿وأنَّ سَعْيَه سوف يُرى﴾ أي : يعرض عليه، ويكشف له يوم القيامة في صحيفته وميزانه، ﴿ثم يُجزاه﴾ أي : يجزى العبد سعيه، يقال : جزاه اللّهُ عملَه، وجزاه عليه، بحذف الجار وإيصال الفعل، ويجوز أن يكون الضمير للجزاء، ثم فسّره بقوله :﴿الجزاءَ الأوفى﴾ أو : أبدله منه، أي : الجزاء الأكمل بحيث يزيده ولا ينقصه.