﴿أَزِفَتِ الآزفةُ﴾ أي : قربت الساعة الموصوفة بالقرب من قوله :﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [القمر : ١]، وفي ذكرها بعد إنذارهم إشعار بأنَّ تعذيبهم مؤخر إلى يوم القيامة، ﴿ليس لها من دون الله كاشِفةٌ﴾ أي : ليس لها نَفْس مبيّنة وقت قيامها إلاّ الله تعالى، وهذا كقوله :﴿لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهآ إِلاَّ هُوَ﴾ [الأعراف : ١٨٧] أو : ليس لها نفس قادرة على كشف أهوالها إذا وقعت إلا الله تعالى، فيكشفها عمن شاء، ويُعذِّب بها مَن شاء.
ولمَّا استهزؤوا بالقرآن، الناطق بأهوال القيامة، نزل قوله تعالى :﴿أفمن هذا الحديث تعجبون﴾ إنكاراً، ﴿وتضحكون﴾ استهزاءً، ﴿ولا تبكون﴾ خشوعاً، ﴿وأنتم سامدون﴾ غافلون، أو : لاهون لاعبون، وكانوا إذا سمعوا القرآن عارضوه بالغناء، ليشغلوا الناس عن استماعه، ﴿فاسجدوا لله واعبدوا﴾ ولا تعبدوا معه غيره، من اللات والعزى ومناة والشعْرَى، وغيرها من الأصنام، أي : اعبدوا رب الأرباب، وسارعوا له، رجاء في رحمته. والفاء لترتيب الأمر بالسجود على بطلان مقابلة القرآن بالإنكار والاستهزاء، ووجوب تلقيه بالإيمان والخضوع والخشوع، أي : إذا كان الأمر كذلك فساجدوا لله الذي أنزله واعبدوه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٤٦
الإشارة :﴿وأنَّ إلى ربك المنتهى﴾ انتهى سير السائرين إلى الوصول إلى الله، والعكوف في حضرته. ومعنى في حضرته. ومعنى الوصول إلى الله : العلم بأحدية وجوده، فيمتحي وجود العبد في وجود الرب، وتضمحل الكائنات في وجود المكوِّن، فتسقط شفيعة الأثر، وتثبت وترية المؤثِّر، كما قال القائل :
وبروْح وراح
عاد شفعي وترى
وقال الآخر :
٢٤٨
فلم يبق إلا الله لم يبق كائنٌ
فما ثَمَّ موصولٌ ولا ثم بائنُ
بذا جاء برهان العيانِ، فما أرى
بِعيْنيَّ إلا عينه إذ أعاينُ
إلى غير ذلك مما غَنَّوا به من أذواقهم ووجدانهم.


الصفحة التالية
Icon