يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّا كُلَّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ﴾ أي : بتقدير سابق في اللوح قبل وقوعه، قد علمنا حالَه وزمانه قبل ظهوره، أو : خلقناه كل شيء مقدّراً محكماً مرتباً على حسب ما اقتضته الحكمة، و " كل " : منصوب بفعل يُفسره الظاهر. وقرئ بالرفع شاذّاً، والنصب ألأولى ؛ لأنه لو رفع لأمكن أن يكون " خلقنا " صفة لشيء، ويكون الخبر مقدراً، أي : إنا كل شيء مخلوق لنا حاصل بقدر، فيكون حجة للمعتزلة، باعتبار المفهوم، وأن أفعال العباد غير مخلوقة لله. فلم يسبق لها قدر، تعالى الله عن قولهم، المفهوم، وأن أفعال العباد غير مخلوقة لله. فلم سبق لها قدر، تعالى الله عن قولهم، ويجوز أن يكون الخبر :" خلقناه "، فلا حجة فيه، ولا يجوز في النصب أن يكون " خلقنا " صفة لشيء ؛ لأنه يفسر الناصب، والصفة لا تعمل في الموصوف، وما لا يعمل لا يفسر عاملاً. قال أبو هريرة : جاء مشركو قريش إلى النبي ﷺ يُخاصمونه في القدر، فنزلت الآية، وكان عمر يحلف أنها نزلت في القدرية، أي : على طريق الإخبار بالغيب.
﴿وما أَمْرُنا إِلا واحدةٌ﴾ أي : كلمة واحدة، سريعة التكوين، وهو قوله تعالى :﴿كن﴾ أي : وما أمرنا لشيء نريد تكوينه إلاّ أن نقول له : كن، فيكون، أو : إلاّ فِعلة
٢٦٣
واحدة، وهو الإيجاد بلا معالجة، ﴿كلمح بالبصر﴾ في السرعة، أي : على قد ما يلمح أحد ببصره، وقيل : المراد سرعة القيامة، لقوله تعالى :﴿وَمَآ أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾ [النحل : ٧٧].
﴿ولقد أهلكنا أشياعكم﴾ أي : أشباهكم في الكفر من الأمم، وقيل : أتباعكم، ﴿فهل من مُدَّكِر﴾ من متعظ بذلك ﴿وكلُّ شيءٍ فعلوه﴾ من الكفر والمعاصي مكتوب على التفصيل ﴿في الزُبرِ﴾ في ديوان الحفظة، ﴿وكل صغيرٍ وكبيرٍ﴾ مِن الأعمال، ومِن كل ما هو كائن ﴿مُسْتَطَرٌ﴾ مسطور في اللوح بتفاصيله.