﴿فَبأيّ آلاءِ رِّبكما﴾ أي : نِعَمَه التي عَدَّدها من أول السورة، ﴿تُكَذِّبان﴾ والخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله تعالى :﴿للأنام﴾ وينطق به قوله :﴿أيه الثقلان﴾ والفاء لترتيب الإنكار والتوبيخ على ما فصّل من فنون النعماء، وصنوف الآلاء، الموجبة للإيمان والشكر، والتعرُّض لعنوان الربوبية المنبئة عن المالكية والتربية، مع الإضافة إلى ضميرهم لتأكيد النكير وتشديد التوبيخ. ومعنى تكذيبهم آلائه تعالى : كفرهم بها، وإمّا بإنكار كونه نعمة في نفسه، كتعليم القرآن وما يستند إليه من النعم الدينية، وإمّا بإنكاره كونه من الله تعالى مع الاعتراف بكونه نعمة في نفسه، كالنعم الدنيوية الواصلة إليهم بإسناده إلى غيره تعالى، اشتراكاً أو استقلالاً، صريحاً أو دلالة، فإنَّ إشراكهم لآلهتهم معه تعالى في العبادة من دواعي إشراكهم لها به تعالى. انظر أبا السعود. أي : إذا كان الأمر كما فصّل فبأيّ فرد من أفارد نعمه تعالى تُكذِّبان، مع أنّ كُلاًّ منها ناطق بالحق، شاهد بالصدق ؟ والله تعالى أعلم.
الإشارة : اعلم أنَّ " الرحمن " من الأسماء الخاصة بالذات العلية، لا يُوصف به غيره تعالى، لا حقيقة ولا مجازاً ؛ لأنها مقتضية لنعمة الإيجاد، ولا يصح مِن غيره، بخلاف
٢٦٨
" الرحيم " فإنه مقتضٍ لنعمة الإمداد، وقد يصح من غيره تعالى مجازاً، فلذلك يجوز أن يُوصف العبد بالرحيم، ولا يوصف بالرحمن، ثم إنَّ الرحمة المشتمل عليها الرحمن على قسمين : رحمة ذاتية لا تُفارق الذات، ورحمة صفاتية يقع بها الإمداد للخلق، فيرحَم بها مَنْ يشاء من عباده، وتسمى الرحمة الذاتية رحمانية، ولمَّا كانت لا تُفارق الذات وقع التعبير بها في الاستواء، فقال تعالى :﴿الرَّحْمَـانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىا﴾ [طه : ٥]، ﴿ثُمَّ اسْتَوَىا عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَـانُ﴾ [الفرقان : ٥٩]، وإليه أشار في الحِكَم بقوله : يا مَن استوى برحمانيته على عرشه، فصار العرش غيباً في رحمانيته... الخ.