وأشار بقوله :﴿كل يوم هو في شأن﴾ إلى اختلاف تجلياته في كل لحظة، فيتجلّى في ساعة واحدة بقبض قوم وبسط آخرين، ورفع قوم وذلّ آخرين، وإعطاء قوم ومنع آخرين، وترقية قوم وخفض آخرين، إلى ما لا نهاية له، ولذلك تختلف الواردات على قلوب العارفين، ينسخ بعضها بعضاً، ولذلك أيضاً تجد العارفين لا يسكنون إلى شيء، ولا يقفون مع شيء ولا يُعولون على شيء، بل ينظرون ما يبرز من عنصر القدرة، فيسيرون معه، إذا أصبحوا نظروا ما يفعل الله بهم، وإذا أمسوا كذلك، قد هدمت المعرفة أركانَ عزائمهم، وحلّت عقدهم، فهم في عموم أوقاتهم لا يُريدون ولا يختارون ولا يُدبّرون ؛ لعِلمهم أن الأمر بيد غيرهم، ليس لهم من الأمر شيء.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٧٣
وقوله تعالى :﴿سنفرغ لكم أيه الثقلان﴾ فسّر القشيري الثقلين بالروح وصفاتها الحميدة، وبالنفس وصفاتها الذميمة، أي : سنفرغ لإكرامكم، ورفع أقداركم يا معشر الأرواح المطهرة، بأن أتجلّى لكم، فتُشاهدوني في كل وقت وحين، وسنفرغ لكم أيتها النفوس الظلمانية بأنواع الامتحان بصُنوف المحن، فلا تدخلوا جنتي حتى تتهذبوا وتصفوا من كدرات الأغيار، ولا أتجلّى لكم إلاّ في وقت الاحتياج والاضطرار. والحاصل : أنَّ المدار كله على هذه الدار، فمَن صفا هنا صُفي له ثَمّ، ومَن كدر هنا كدر عليه هناك. ويُقال لأهل النفوس الظلمانية :﴿يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض﴾ بفكرة بصائركم فانفذوا، ولا قدرة لكم على ذلك ؛ لسجن أرواحكم
٢٧٦


الصفحة التالية
Icon