واختُلف في تعيينهم، فقيل : هم الذين سبقوا إلى الإيمان، وإيضاحه، عند ظهور الحق من غير تلعثم ولا توان، وقيل : الذين سبقوا في حيازات الفضائل والكمالات، وقيل : هم الذي صلُّوا إلى القبلتين، كما قال تعالى :﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ﴾ [التوبة : ١٠٠] وقيل : السابقون إلى الصلوات الخمس، وقيل : المسارعون في الخيرات. والتحقيق : أنهم السابقون إلى الله بالمجاهدة والمكابدة، حتى أفضوا إلى مقام المشاهدة، وهو مقام الإحسان.
﴿أولئك المقرَّبون﴾ أشار إليهم بإشارة البُعد مع قُرب العهد ؛ للإيذان ببُعد منزلتهم في الفضل والشرف، أي : أولئك السابقون إلى الله هم المقربون إلى الله في الكرامة والتعظيم، الذي تلي درجاتهم درجات الأنبياء، وهم ﴿في جنات النعيم﴾ أي : ذات التنعُّم، فتَصْدق بالفردوس، التي هي مسكن المقربين، وإنما أخَّر ذكر السابقين مع كونهم أحق بالتقدُّم في الذكر ؛ ليقترن ذكرهم ببيان محاسن أحوالهم، ويتخلّص إلى ذكر نعيمهم الآتي، على أنّ إيرادهم بعنوان المسبق مطلقاً مُعْرِبٌ عن إحرازهم لقصب السبق من جميع الأمور. الإشارة : إذا وقعت الحقيقة المتوقعة للمتوجهين ؛ كان من العلوم والأسرار ما لا تُحيط به عامة الأفكار، ووقوع الحقيقة : برزوها معهم، وإشراق أنوارها على قلوبهم،
٢٨٨