الإشارة : أخبر تعالى أنّ المقربين في الصدر الأول أكثر من الزمان الأخير، وهو كذلك من جهة الكمية، وأما من جهة الكيفية فالمقربون في آخر الزمان أعظم رتبةً، وأوسع علماً وتحقيقاً ؛ لأنهم نهضوا في زمان الغفلة، وجدُّوا في زمان الفترة، لم يجدوا من أهل الجدّ إلا قليلاً، ولا من أهل الحق إلا نذراً يسيراً، فحيث نهضوا وحدهم عوّضهم الله مرتبة لم يعطها لغيرهم، ويشهد لهذا قوله عليه السلام :" اشتقت إلى إخواني " قال أصحابه، نحن إخوانك يا رسول الله ؟ قال :" أنتم أصحابي، إخواني قوم يأتون بعدي، مِن نعتهم كذا وكذا " ثم قال :" يعدل عمل واحد منهم سبعين منكم " قالوا : يا رسول الله منهم ؟ قال :" منكم " قيل : بماذا يا رسول الله ؟ قال :" إنكم وجدتم على الخير أعواناً، وهم لم يجدوا عليه أعواناً " وفي حديث آخر، رواته ثقات : قالوا : يا رسول الله ؛ هل أحد خير منا ؟ قال :" قوم يجيئون بعدكم، فيجدون كتاباً بين لوحين، يؤمنون بما فيه، ويؤمنون بي، ولم يروني، ويُصَدِّقون بما جئتُ به، ويعملون به، فهم خير منكم "، ولا يلزم من تفضيلهم مِن جهةٍ تفضيلهم مطلقاً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٨٩
ثم وصف المقرّبين بكونهم على سُرر الهداية، منسوجة بالعِز والعناية، محفوفة بالنصر والرعاية، متكئين عليها، راسخين فيها، متقابلين في المقامات والأخلاق، أي : يواجه بعضهم بعضاً بقلوبهم وأسرارهم، لا تَباغض بينهم ولا تحاسد، تطوف عليهم الأكوان وتخدمهم، " أنت مع الأكوان ما لم تشهد المُكوّن، فإذا شهدت المُكوِّن كانت الأكوان معك " : يُسقون بأكوابٍ وأباريق من علم الطريق، وكأس من خمر الحقيقة، فلا
٢٩١