﴿تنزيلٌ من رب العالمين﴾ : صفة رابعة للقرآن، أي : نزل من رب العالمين، وُصف بالمصدر ؛ لأنه نزل منجّماً من بين سائر الكتب، فكأنه في نفسه تنزيل، ﴿أفبهذا الحديثِ﴾ أي : القرآن ﴿أنتم مُّدْهِنون﴾ متهاونون به، كمَن يُدهن في بعض الأمر، أي : يلين جانبه، فلا يتصلّب فيه تهاوناً به. قال ابن عطية : قال ابن عباس : المداهنة هي المهاودة فيما لا يحل، والمداراة : المهادوة فيما يحل. هـ.
﴿وتجعلون رزقَكم أنكم تُكذِّبون﴾ أي : وتجعلون شكر رزقكم التكذيب، أي : وضعتم التكذيب موضع الشكر. وفي قراءة عليّ رضي الله عنه، وهي مروية عن رسول الله ﷺ :﴿وتجعلون شكركم أنكم تكذِّبون﴾ أي : وتجعلون شكركم لنعمة القرآن التكذيب. وقيل : نزلت في الأنواء ونسبة الأمطار إليها، أي : وتجعلون شكر ما رزقكم الله من الغيث أنكم تكذّبون كونَه من الله، حيث تنسبونه إلى النجوم، وتقولون : مُطرنا بنوء كذا، والمنهي إنما هو اعتقاد التأثير للنجوم، لا من بابا العلامة وقيل : مطلقاً، سدّاً للذريعة، وهو مقتضى كلام ابن رشد، وعزاه لسحنون. والمسألة خلافية، وقد قال ﷺ :" إذا ذُكرت النجوم فأمْسِكوا "، ومنهم مَن فصّل في المسألة، فقال : يجوز إضافة الأفعال السيئة إليها لقوله ﷺ :" تعوّذوا بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب " وأشار إلى القمر. وأما الحسنة فالشكر يقتضي إضافتها إلى الله، وكذا الأدب. والله تعالى أعلم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٠٠
الإشارة : مواقع النجوم هي أسرار العارفين ؛ لأنه يغرق في بحارها كل ما سوى الله، وتغيب فيها نجوم العلم العقلي والنقلي، وأقمار التوحيد البرهاني ؛ لأنه إذا أشرقت في قلوبهم شمس العرفان، لم يبقَ لنور النجوم والقمر أثر، وقد قلت في قصيدتي العينية :
تبدّت لنا شمسُ النهارِ وأشرقتْ
فلم يَبق ضوءُ النجمِ والشمسُ طالعُ