وقد تكلم الناسُ عن الأرواح في عالم البرزخ، وحاصل ما ظهر لنا من الأحاديث والأخبار : أنّ أرواح الصدّيقين، وهم المقربون، تتشكل على صورة أجسامهم، وتذهب حيث شاءت في الجنان وغيرها. وأرواح الشهداء تدخل في حواصل طيور خُضر، تسرح في الجنة حيث شاءت، لمّا كانت أرواحهم في الدنيا مسجونة في هيكل ذاتهم، سُجنت في حواصل الطيور، بخلاف العارفين لّمَا سرحت أفكارهم في الملكوت والجبروت ؛ أُطلقت أرواحهم بعد الموت، وأرواح الصالحين الأبرار وعامة المؤمنين، ممن لم ينفذ فيه الوعيد ؛ متفرقة في البرزخ، فمنهم في ظل شجرة المنتهَى، ومنهم في السموات، على قدر سعيهم في الدنيا. وكل صنف يُجمع مع صنفه جماعةً، فالعلماء مع صنفهم، والقراء كذلك، والصالحون كذلك، والأولياء كذلك، والمنهمكون في الدنيا إذا سلموا من العذاب تكون أرواحهم كالنائم المستغرق، لا يشعر بمرور الأيام، حتى يستيقظ بنفخة البعث، وأما مَن نفذ فيهم الوعيد، فهم يُعذبون بأنواع من العذاب، وتذكَّر حديث البخاري في الرؤيا التي رآها ﷺ في شأن الزناة وأكل الربا، وغيرهم. وفي ابن حجر : أن أرواح المؤمنين في عليين، وأرواح الكافر في سجين، ولكل روح بجسدها اتصال معنوي، لا يُشبه الاتصال في الحيلة الدنيا، بل أشبه شيء به حال النائم، وإن كان هو أشد من حال النائم اتصالاً قال : وبهذا يُجمع بين ما ورد أن مقرها في عليين أو سجين، وبين ما نقل ابن عبد البر عن الجمهور : أنها عند أَفْنية قبورها. قال : ومع ذلك فهي مأذون لها في التصرُّف، وتأوي إلى محلها من عليين أو سجين، وإذا نقل الميت من قبر إلى قبر، فالاتصال المذكور متصل، وكذا إذا تفرقت الأجزاء. هـ.


الصفحة التالية
Icon