قلت : ومعنى قوله :" فلك الذات سماء الصفات "... الخ، أنَّ أسرار الذات اللطيفة الأصلية سقف لأنوار الصفات، المتجلّي بها، وأنوار الصفات، أرض لتلك الأسرار، وكذلك أنوار الصفات سقف لأرض الأسماء، والأسماء أرض لسماء الصفات، وبقي عليه أن يقول : وفلك الأسماء سماء للأثر، والأثر أرض لسماء الأسماء، فكل مقام سماء لما تحته، وأرض لما فوقه، فالأثار أرض لسماء الأسماء، والأسماء أرض للصفات، والصفات أرض للذات، دلّ بوجود آثاره على وجود أسمائه، وبوجود أسمائه على وجود صفاته، وبوجود صفاته على وجود ذاته، وهذا مقام الترقي، ومقام التدلي بالعكس، انظر الحِكَم، وهو العزيز أن يُدرك كنه ربوبيته، الحكيم في اختفائه بعد ظهوره. له ملك سموات الأرواح وأرض الأشباح، أو : ملك سموات أفلاك الذات والصفات والأسماء، وفلك أرضها، على ما تقدّم. يُحيي قلوب أوليائه بمعرفته، ويُميت قلوب أعدائه بالجهل به، أو يُحيي القلوب بالعلم به، ويُميت النفوس بالفناء عنها، وهو على كل شيء قدير من الأحياء والإماتة وغيرهما. هو الأول بلا بداية والآخر بل نهاية، وهو الظاهر، فلا ظاهر معه، وهو الباطن في حال ظهوره. أو : هو الظاهر بتجلياته، والباطن
٣١٠
بما نشر عليها من رداء كبريائه، أو : الظاهر بقدرته، والباطن بحكمته، أو : الظاهر بالتعريف، والباطن باعتبار التكييف. والحاصل : أنه ظاهر في بطونه، باطن في ظهوره، ما ظهر به هو الذي بطن فيه، وما بطن فيه هو الذي ظهر به، اسمه الظاهر يقتضي بطون الأشياء واستهلاكها وتلاشيها ؛ إذ لا ظاهر معه، واسمه الباطن يقتضي ظهور حسها، ليكون باطناً فيها. وفي الحِكَم قال :" أظهر كل شيء بأنه الباطن، وطوى وجود كل شيء بأنه الظاهر ". ولا يفهم هذا إلاّ أهل الأذواق.