ثم بيّن التفاوت بين المنفِقين منهم باعتبار الزمان، فقال :﴿لا يستوي منكم مَن أنفق مِن قبل الفتح وقاتلَ﴾ مع مَن أنفق بعد الفتح وقاتل، حذفه لدلالة ما بعده عليه من قوله :﴿أولئك أعظم درجة... ﴾ الخ، والمراد : فتح مكة، أي : لا يستوي مَن أنفق قبل عز الإسلام وظهوره، مع مَن أنفق بعد لك، ﴿أولئك﴾ الذين أنفقوا قبل الفتح وقاتلوا، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، الذين قال فيهم النبي ﷺ :" لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهباً ما بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، ولا نِصفه "، فهم ﴿أعظمُ درجةً من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلَوا﴾ لأنّ مَن أنفق وقت الحاجة والاضطرار، أعظم ممن أنفق في حال السعة والبسط، ﴿وكُلاًّ﴾ أي : كل واحد من الفريقين ﴿وَعَدَ اللّهُ الحسنى﴾ وهي الجنة مع تفاوت الدرجات. وقرأ الشامي بالرفع، مبتدأ، أي : وعده الله الحسنى، ﴿والله بما تعملون خبير﴾ فيُجازيكم على قدر أعمالكم.
﴿من ذا الذي يُقْرِضُ اللّهَ قرضاً حسناً﴾ هو ندب بليغ من الله تعالى إلى الإنفاق في
٣١٣
سبيله، بعد الأمر به، والتوبيخ على تركه، وبيان درجات المنفقين، أي : مَن ذا الذي يُنفق ماله في سبيل الله رجاء أن يعوضه مثل ذلك وأكثر، فإنه كمن يُقرضه. وحسن الإنفاق بالإخلاص فيه، وتحري أكرم المال، وأفضل الجهات، ﴿فيُضاعِفه له﴾ أي : يعطيه أجره على إنفاقه مضاعفاً أضعافاً كثيرة من فضله، ﴿وله أجرٌ كريمٌ﴾ وذلك الأجر المضموم إليه الأَضعاف كريمٌ في نفسه، حقيقٌ بأن يُتنافس فيه وإن لم يُضاعف، فكيف وقد ضُوعف أضعافاً كثيرة! ومن نصب فعلى جواب الاستفهام.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١٢