والحاصل على هذه العبارة : الترغيب في الإيمان والحث عليه، وهو وارد في كلام العرب في مبالغة التشبيه، تقول : فلان هو حاتم بعينه، إذا شابهه في الجود، ويؤيد هذا حديث البراء بن عازب : أن النبي ﷺ قال :" مؤمنو أمتي شهداء " قال مجاهد :(كل مؤمن صدّيق وشهيد)، أي : على ما تقدّم، وإنما خصّ النبي ﷺ ذكرَ الشهداء السبعة تشريفاً على رتب الشهداء غيرهم، ألا ترى أنَّ المقتول في سبيل الله مخصوص أيضاً بتشريف ينفرد به، وقال بعضهم : معنى الشهداء هنا : أنهم يشهدون على الأمم. قال ابن عباس ومسروق والضحاك : الكلام تام في قوله :" الصدّيقون "، وقوله :" الشهداء " استئناف كلام، أي : والشهداء حاضرون عند ربهم، أو : والشهداء ﴿لهم أجرهم ونورهم﴾ عند ربهم، قال أبو حيان : والظاهر : أن " الشهداء " مبتدأ، خبره ما بعده. هـ.
قلت : الظاهر : أنَّ الآية متصلة، فكل مؤمن حقيقي صدّيق وشهيد، أي : يلحق بهم، وقوله :﴿لهم أجرهم ونورهم﴾ أي : لهم أجر الصدّيقين ونورهم، على التشبيه، ولا يبلغ المشبَّه درجة المشبَّه به. وإذا قيّدنا الإيمان بالسبق، فالمعنى لهم أجرهم كامل ونورهم تام، ويؤيد عدم التقييد : ذكر ضده عقبه، كما هو عادة التنزيل، بقوله :﴿والذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم﴾.
الإشارة : إنَّ المصدّقين والمصدّقات، وهم الذين بذلوا مهجهم وأرواحهم في مرضاة الله - ومَن كان في الله تلفه كان على الله خَلَفَه - وأقرضوا الله قرضاً حسناً، أي : قطعوا قلوبهم عن محبة ما سواه، وحصروه في حضرة الله، يُضاعف لهم أنوارهم وأسرارهم،
٣٢١


الصفحة التالية
Icon