الإشارة : ما أصاب من مصيبة في أرض البشرية، من غلبة الطبع، والميل إلى الحظوظ النفسانية، ولا في أنفسكم ؛ ولا في باطن أنفسكم، مما يُصيب القلبَ من الأمراض، كالعجب والرياء والكبر والحسد، وغيرها، وما يُصيب الروح من الوقوف مع المقامات، أو الكرامات، أو الكشوفات، إلاَّ في كتاب سابق، وهو العلم القديم، والقضاء المحتوم، فمَن وافقته رياح القضاء نهض رغماً عن أنفه، ومَن انتكبته نكس على عقبيه، أو وقف عن سيره، فالرجوع إلى الله واجب في الحالتين، عبودية وأدباً، فعلنا ذلك لكيلا تأسَوا على ما فاتكم. فمَن تحقّق بالعبودية لا يفوته شيء، ولا تفرحوا بما آتاكم مما شأنه يزول. قال القشيري : هذه صفة المتحررين من رِقِّ النفس، وقيمة الرجال إنما تتبين بتغيُّرهم، فمَن لم يتغير بما يَرِدُ عليه مما لا يريده من جفاءٍ أو مكروهٍ أو محبةٍ فهو كامل، ومَن لم يتغير بالمضار، ولا يَسُرُّه الوجد، كما لا يُحْزِنْه العَدَم، فهو سَيِّد وقته. هـ. قلت : وهذه كانت سيرة الصحابة رضي الله عنهم كما قال كعب بن زهير في وصفهم :
لا يَفرحونَ إذا نالت رِماحُهُمُ
قَوْماً وليسوا مجازيعاً إذا نِيلوا
ثم قال : ويُقال : إذا أردْتَ أن تعرفَ الرجلَ فاطلبْه عند الموارد، والتغيراتُ من علامات بقاء النفْس بأيّ وجهٍ كان. هـ. وقال الورتجبي عن الواسطي : العارف مستهلك في كُنه المعروف، فإذا حصل بمقام المعرفة لا يبقى عليه قصد فرح ولا أسى، قال الله تعالى :﴿لِكَيلا تأسوا...﴾ الآية. هـ. قلت : وإليه أشار في الحِكَم بقوله :" ما تجده
٣٢٦
القلوب من الأحزان فلِما منعت من الشهود والعيان "، وقال ابن الفارض، في شان الخمرة إذا دخلت القلب :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٢٥
وإن خطرتْ يوماً على خاطر امرىءٍ
أقامتْ به الأفراحُ وارتحلَ الهمّ


الصفحة التالية
Icon