ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم، خصّ هذين الرسولين ؛ لأنّ نوحاً عليه السلام كان في غاية القوة والشدة، وإبراهيم كان في غاية الليونة، وهكذا أولياء كل زمان، بعضهم يميل للقوة جدّاً، وبعضهم يميل للرطوبة، فإذا أراد الله أن يُظهر طريقةً أ مِلةً جعل فيها هذين الضدين، من الأولياء مَنْ يميل لليونة ومَنْ يميل للقوة، ليعتدل الأمر في الوجود، فإن انفرد صاحبُ القوة احترق الوجود، أو غرق، كما جرى في زمان نوح عليه السلام، حين انفرد بالقوة، وإن انفرد صاحب الليونة وقعت برودة في الدين، كما وقع في زمن إبراهيم عليه السلام إذ لم تكن أمته كثيرة، ولمّا اجتمعا في زمان موسى كثرت أتباعه ؛ لأنَّ موسى عليه السلام كان قوياً، وهارون كان ليناً، فكثرت أتباعه. وعظمت هذه المة المحمدية لدوام اجتماعهما في أمته، فكان عليه الصلاة والسلام سهلاً ليناً، وكان في مقابلته عمر من وزرائه قوياً صلباً في دين الله، ثم استخلف أبو بكر على قدم الرسول ﷺ فقابله عمر رضي الله عنه، فلما استخلف عمر ولان ؛ قابله عليّ رضي الله عنه، وهكذا كل طائفة كثرت أتباعها تجد فيها هذين الضدين. سبحان المدبِّر الحكيم، الجامع للأضداد.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٢٧
وقوله تعالى :﴿وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمةً﴾ هي صفة المريدين المتوجهين، ورهبانيةُ هذه الأمة : المساجد والزوايا، كما في الحديث. وليس من شأن
٣٣٠