الإشارة : الذين يباعدون من أنفسهم، فيُحرِّمون عليها التمتُّع بما أحلّ الله من الطيبات، تضييقاً وتشديداً عليها، مفْرطين في ذلك، محتجين لذلك بأنهم كانوا في بطن الشهوات، فقد ملكتهم ملك الأم لولدها، قال تعالى :" ما هن أمهاتِهم إنْ أُمهاتهم إلاّ اللائي ولدنهم، وإنهم ليقولون مُنكراً من القول وزوراً " حيث حرّموا ما أحلّ الله، والمراد بذلك الإفراط المؤدي إلى التلف. قال القشيري : لأنّ النفس مطية الروح، فلا تسلك طريق السير إلاّ بها، وهي مددها ومعونتها، كما قال عليه السلام :" إنّ لنفسك عليك حقاً " فلا بد للروح من مسامحة النفس ومداراتها في بضع الأوقات، لتميل النفس إلى تصرفها وحكمها فيها، وإلاّ ضعفت وكَلَّت عن موافقتها، فتنقطع الروح عن السلوك إلى الله. هـ. قلت : وإليه الإشارة بقوله ﷺ :" لا يكن أحدكم كالمنبت، لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى " ﴿وإن الله لعفو غفور﴾ لمَن وقع له شيء من هذا ورجع.


الصفحة التالية
Icon