يقول الحق جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا إِذا ناجيتم الرسولَ﴾ أي : إذا أردتم مناجاته في بعض شؤونكم المهمة، ﴿فقدِّموا بين يدي نجواكم﴾ أي : قبل نجواكم ﴿صدقة﴾ وهي استعارة ممن له يدان، كقول عمر رضي الله عنه :" من أفضل ما أوتيت العرب الشِعر، يقدّمه الرجل أما حاجته، فيستمطر به الكريم، ويستنزل به اللئيم " يريد : قبل حاجته. وفي هذا الأمر تعظيم الرسول ﷺ، وانتفاع الفقراء، والزجر عن الإفراط في مناجاته وسؤاله عليه الصلاة والسلام، والتمييز بين المخلِص والمنافق، وبين مُحب الآخرة ومُحب الدنيا، وهل الأمر للندب، أو للوجوب لكنه نسخ بقوله :﴿أأشفقتم..﴾ الخ ؟ وعن عليّ رضي الله عنه :" إنَّ في كتاب الله آية ما عمل بها أحدٌ غيري، كان لي دينار فصرّفته فكنت إذا ناجيته ﷺ تصدّقت به ". وقال أيضاً :" أنا كنت سبب الرخصة والتخفيف عن المسلمين "، قال رضي الله عنه : فَهِم رسولُ الله ﷺ أنّ هذه العبادة قد شقّت على الناس، فقال :" يا عليّ كم ترى حدّ هذه الصدقة ؟ أتراه ديناراً ؟ " قلت : لا، قال :" فنصف دينار " ؟ قلت : لا، قال :" فكم " ؟ قلت : حبة من شعير، قال :" إنك لزهيد " فأنزل الله الرخصة ". قال الفخر : قوله ﷺ لعليّ :" إنك لزهيد " معناه : إنك قليل المال،
٣٤٦
فقدّرتَ على حسب حالك. وفي رواية :" شعيرة من ذهب "، فقال : إنك لزهيد "، أي : مُصعِّر مقلِّل للدنيا. قاله في القوت.


الصفحة التالية
Icon