يقول الحق جلّ جلاله :﴿وكم أرسلنا﴾ أي : كثيراً أرسلنا قبلك ﴿من نبيٍّ في الأولين﴾ ؛ في الأمم الماضية، فكذَّبوهم واستهزؤوا بهم. ﴿وما يأتيهم من نبيٍّ إلا كانوا به يستهزئون﴾، فاصبر كما صبروا. ويحتمل أن يكون تقريراً لِمَا قبله ؛ لبيان أن إسراف الأمم السابقة لم يمنعه تعالى من إرسال الرسل إليهم، وكونها تسلية للرسول ﷺ أظهر. ﴿فأهلكنا أشدَّ منهم بَطْشاً﴾ أي : فأهلكنا مِن الأمم السالفة مَن كان أكثر منهم طغياناً وإسرافاً، ﴿ومضى مَثَلُ الأولين﴾ أي : سلف في القرآن غير مرة ذكر قصة الأولين، وهي عِدةٌ له ﷺ، ووعيد لقومه، بطريق الأولوية. فمثل ما جرى على الأولين يجري على هؤلاء ؛ لاشتراكهم في الوصف. وظاهر الآية : أن النبي والرسول واحد، والمشهور : أن النبي أعم، فكل رسول نبي، ولا عكس، فالنبي مقصور في الحُكم على نفسه، والرسول نبيّ مكلّف بالتبليغ.
الإشارة : ما سُليت به الأنبياء والسل يُسلَى به الأولياء ؛ لأنهم خلفاؤهم، فكل مَن أُوذي واستُهزئ به يتذكر ما جرى على مَن كان أفضل منه من الأنبياء وأكابر الأولياء، فيخف عليه الأذى. وبالله التوفيق.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولئن سألتهم﴾ أي : المشركين ﴿مَنْ خلق السماواتِ والأرضَ ليقولُنَّ خلقهن العزيزُ العليمُ﴾ أي : ينسبون خلقها إلى مَن هذا وصفه في نفس الأمر ؛ لا أنهم يُعبِّرون عنه بهذا العنوان. واختار هذن الوصفين للإيذان بانفراده بالإبداع والاختراع والتدبير ؛ لأن العزة تُؤذن بالغلبة والاقتدار، والعلم يؤذن بالتدبُّر والاختيار، وليُرتب عليه ما ينسابه من الأوصاف، وهو قوله :﴿الذي جعل لكم الأرض مهاداً﴾