وتصريفِ الرياح} أي : هبوبها من جهة إلى أخرى، ومن حال إلى حال، وتأخيره عن نزول المطر مع تقدمه عليه في الوجود، إما للإيذان بأنه آية مستقلة، ولو روعي الترتيب الوجودي لربما توهم أن مجموع تصريف الرياح ونزول المطر آية واحدة، أو : لأن كون التصريف آية ليس مجرد كونه مبتدأ لإنشاء المطر، بل له ولسائر المنافع، التي من جملتها : سوق السفن في البحار، وإلقاح الأشجار، ﴿آياتٌ لقوم يعقلون﴾ يتدبّرون بعقولهم، فيصلون إلى صريح التوحيد. وفي تقديم الإيمان على الإيقان، وتأخير تدبُّر العقل ؛ لأن العباد إذا نظروا في السموات والأرض نظراً صحيحاً ؛ علموا أنها مصنوعة، وأنه لا بُدَّ لها من صانع، فآمنوا بالله، وإذا نظروا في خلق أنفسهم، وتنقلها من حالٍ إلى حال، وفي خلق ما ظَهَرَ على ظَهْر الأرض من صنوف الحيوان ازدادوا إيماناً وأيقنوا، فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدّد في كل وقت، كتعاقب الليل والنهار، ونزول الأمطار، وحياة الأرض بعد موتها، وتصريف الرياح، جنوباً وشمالاً، ودَبوراً وصباً، عقِلوا، واستحكم في عقولهم، وخلص يقينهم، فكانوا من ذوي الألباب.
﴿تلك آياتُ الله﴾ مبتدأ وخبر، و ﴿نتلُوها عليك﴾ حال، العامل : معنى الإشارة، أي : تلك الآيات المتقدمة هي آيات الله الدالة على وجوب وجوده واتصافه بأوصاف الكمال، حال كونها متلوةً عليك، ملتبسة ﴿بالحق﴾ أو : نتلوها محقين في ذلك : فالجار والمجرور : حال من المفعول أو الفاعل. ﴿فبأيّ حديثٍ﴾ من الأحاديث ﴿بعد الله وآياتهِ﴾ أي : بعد آيات الله، كقولك : أعجبني زيد وكرمه، أي : أعجبني كرم زيد، أو : بعد حديث الله، الذي هو القرآن، وآياته العامة في كل شيء، فيكون على حذف مضاف، أو : يُراد بها القرآن أيضاً، والعطف للتغاير العنواني، فالأول من جهة كونه حديثاً حسناً، والثاني باعتبار كونه معجزاً، أي : فبأي حديثٍ بعد أحسن الحديث وأبهر الآيات ﴿يؤمنون﴾ يُصدِّقون ؟ ! ومَن قرأ بالخطاب يُقدر : قل يا محمد.
٦١