يقول الحق جلّ جلاله :﴿اللّهُ الذي سخَّر لكم البحر﴾ أي : ذلّله، بأن جعله أملس السطح، يطفو عليه ما فوقه، ولا يمنع الغوص فيه، لمَيَعَانه، ﴿لتجري الفلكُ فيه بأمره﴾ بإذنه، وأنتم راكبوها، ﴿ولتبتغوا من فضله﴾ بالتجارة، والغوص لابتغاء الحلية، كاللؤلؤ
٦٤
والمرجان، وكالصيد وغيرها، ﴿ولعلكم تشكرون﴾ ولكي تشكروا النعم المترتبة على ذلك، ﴿وسخَّر لكم ما في السماوات وما في الأرض﴾ من الموجودات. بأن جعلها مداراً لمنافعهم.
قال القشيري : إذ ما من شيء من الأعيان الظاهرة، إلا وللإنسان به انتفاع من وجوه، فالسماء لها بناء، والأرض لهم مِهاد، وليتأمل العبدُ في كل شيء لو لم يكن، أيّ خلل يرجع إلى الخلق ؟ لولا الشمس كيف كانوا يتصرفون بالنهار ؟ ولولا الليل، كيف كانوا يسكنون ؟ ولولا القمر هل كانوا يهتدون للحساب والآجال ؟ وكذلك جميع المخلوقات. هـ. وقوله :﴿جميعاً منه﴾ حال، وليس من التوكيد لعدم الضمير، ولو كان توكيداً لقال : جميعه ثم التوكيد بجميع قليل، فلا يحمل التنزيل عليه، قاله في المغني. والمنفي كونه توكيداً اصطلاحياً، فلا ينافي كونه حالاً مؤكدة في المعنى. ﴿إِنَّ في ذلك﴾ أي : فيما ذكر من الأمور العظام ﴿للآياتٍ﴾ عظيمة الشأن، كثيرة العدد، ﴿لقوم يتفكرون﴾ في بدائع صنعه تعالى، فإنهم يقفون بذلك على جلائل نعمه تعالى ودقائقها، ويُوفَّقون لشكرها.


الصفحة التالية
Icon