﴿ليُنفق ذو سَعَةٍ من سَعته ومَن قُدِرَ عليه رزقُه فليُنفق مما آتاه اللهُ﴾ أي : لِينفق كُلٌّ واحد من المعسر والموسر بما يبلغه وسعه، يعني : ما أمر به من الإنفاق على المطلقات والمرضعات، ﴿ومن قَدِرَ﴾ أي : ضُيِّق ﴿عليه رزقُه فلينفقْ﴾ عليها ﴿مما آتاه اللهُ﴾ فيَفرض الحاكمُ عليه ما يطيقه، ﴿لا يُكلِّف اللهُ نفساً إِلاَّ ما آتاها﴾ ؛ أعطاها من الرزق، وفيه تطييب قلب المعسر، وترغيب له في بذل مجهوده، وقد أكد ذلك بالوعد، حيث قال :﴿سيجعل اللهُ بعد عُسر يُسراً﴾ أي : بعد ضيق في المعيشة سعة فيها، فإنّ عادته تعالى أن يُعقب العسر باليسر، كما قال تعالى :﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ [الشرح : ٥]، وكرره مرتين، فلن يغلب عسر يسريْن.
الإشارة : أسكِنوا نفوسَكم من حيث سكنتم بها قبل التوجه، فينبغي للمريد أن يسايس نفسه شيئاً فشيئاً، حتى يغيب عنها في شهود الحق، من غير تشديدٍ في إخراجها عن طبعها بالكلية، فإنها حينئذٍ تَملّ وتكِلّ، فقد قيل : مَن سار إلى الله بموافقة طبعه كان الوصول إليه أقرب إليه من طبعه، ومَن سار إلى الله بمخالفة طبعه كان الوصول إليه على قدر بُعده عن طبعه، وفيه مشقة وحرج. ولذا قال تعالى :﴿ولا تُضاروهن لتُضيقوا عليهن﴾ لئلا تمل وترجع من حيث جاءت، ولذلك قال ﷺ :" لا يكن أحدكم كالمُنْبَت، فلا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى "، نعم مخالفة طبعها في حب الظهور والجاه، أو حب الدنيا،
٧٣


الصفحة التالية
Icon