يقول الحق جلّ جلاله :﴿وكَأَيِّن من قريةٍ﴾ أي : كثير من أهل قرية ﴿عَتَتْ﴾ ؛ أعرضت ﴿عن أمر ربها ورُسلِه﴾ أي : عن طاعتهما على وجه العتوّ والعناد، ﴿فحاسبناها حِساباً شديداً﴾ بالاستقصاء والتنقير والمباحثة في كل نقير وقطمير، ﴿وعذَّبناها عذاباً نُكراً﴾ ؛ منكراً فظيعاً، والمراد : إمّا عذاب الآخرة، والتعبير بالماضي لتحقُّق وقوعه، أو عذاب الدنيا، وهو أرجح ؛ لأنه سيذكر عذاب الآخرة بعدُ بقوله :﴿أعدّ اللهُ لهم عذاباً شديداً...﴾ الخ،
٧٤
﴿فذاقت وَبَالَ أمرِها﴾ أي : وخامة شأنها، وعقوبة فعلها. قال في الصحاح : والوَبَلَة ـ بالتحريك : الثِقَّلُ والوخَامةُ، وقد وَبُل المرتعُ بالضم وَبْلاً ووَبَالاً، فهو وَبيلٌ، أي : وخِيمٌ. هـ. وفي القاموس : وبُلَ ككَرُمَ وبَالةً ووبالاً ووبُولاً، وأرض وَبِيلَةٌ : وخيمةُ المرتَعِ. هـ. ﴿وكان عاقبةُ أمرها خُسراً﴾ أي : خساراً وهلاكاً.
﴿أعدَّ اللهُ لهم﴾ في الآخرة ﴿عذاباً شديداً﴾، وعلى أنَّ الكل في الآخرة يكون هذا تكريراً للوعيد وبياناً لكونه مترقباً، كأنه قال : أعدّ الله لهم هذا العذاب الشديد، ﴿فاتقوا اللهَ يا أُولي الألبابِ﴾ في مخالفة أمره، واحذروا ما حلّ بمَن طغى وعتا. وأولو الألباب هم أهل العقول الصافية، ثم فسَّرهم بقوله :﴿الذين آمنوا﴾ إيماناً خالصاً من شوائب الشرك والشك، فالموصول عطف بيان لأولي الألباب، أو نعت، أو منصوب بأعِني، ﴿قد أنزل اللهُ إِليكم ذكراً﴾ أي : القرآن.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٧٤