يقول الحق جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا قُو أنفسَكم﴾ أي : نَجُّوها من النار، بترك المعاصي وفعل الطاعات، ﴿وأهليكم﴾ بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم، أو بان تُعلِّموهم وتُرشدوهم. قال القشيري : أظهٍروا من أنفسكم الطاعات ليتعلموا منكم ويقتادوا بأفعالكم. هـ. وفي الحديث :" رحِم الله امرءاً قال : يا أهلاه، صلاتَكم صيامَكم مسْكينَكم، يتيمَكم " أي : الزموا ما ينفعكم، فمَن له أهل وأهملهم من التعلُّم والإرشاد عُوتب عليهم، أي : احملوهم على الطاعة، لتَقُوهُمْ ﴿ناراً وقُودُهَا الناسُ والحجارةُ﴾ أي : نوعاً من النار لا تتّقد إلاّ بالناس والحجارةن كما تتّقد غيرها بالحطب. قال ابن عباس : هي حجارة الكبريت، فهي أشد الأشياء حرًّا. ﴿عليها ملائكةٌ﴾ تلي أمرها والتعذيبَ بها، وهي الزبانية، ﴿غِلاظٌ شِدادٌ﴾ ؛ غلاظُ الأقوال، شِدادُ الأحوال، أو : غلاظُ الخلْق، شِداد الخُلُق، أقوياءُ على الأفعال الشديدة، لم يخلق اللهُ فيهم رحمة، ﴿لا يَعْصُون اللهَ ما أَمَرَهم﴾ أي : لا يعصون أمره، فهو بدل اشتمال من " الله " أو : فيما أمرهم، على نزع الخافض، ﴿ويفعلون ما يؤمرون﴾ من غير تراخ ولاتثاقل، وليست الجملتان في معنى واحد ؛ إذ معنى الأولى : أنهم يمتثلون أمره ويلتزمونها، ومعنى الثانية : أنهم يُؤدون ما يُؤمرون به، ولا يتثاقلون عنه ولا يتوَانون فيه.
ويُقال للكفرة يوم القيامة عند دخولهم النار :﴿يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليومَ﴾ إذ لا ينفعكم عذركم ؛ حيث فرَّطتم في الدنيا، ﴿إِنما تُجْزَون﴾ اليوم ﴿ما كنتم تعملون﴾ في الدنيا من الكفر والمعاصي، بعدما نُهيتُم عنها، وأُمرتم بالإيمان والطاعة، فلا عُذر لكم قطعاً.


الصفحة التالية
Icon