﴿ومريمَ ابنة عمرانَ﴾ : عطف على " امرأة فرعون " أي : وضرب اللهُ مثلاً للذين آمنوا حالَها وما أُتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين، مع كون قومها كفاراً، ﴿التي أحْصَنَتْ فَرْجَها﴾ ؛ حفظته ﴿فنفخنا في مِن روحنا﴾ المخلوقة لنا، أو : من روح خَلقتُه بلا واسطة، ﴿وصدَّقتْ بكلماتِ ربها﴾ ؛ بصُحفه المنزلة، أو : بما أوحى اللهُ إلى أنبيائه، ﴿وكتابه﴾ أي : جنس الكتاب الشامل للكل، وقرأ البصري وحفص بالجمع، أي : كُتبه الأربعة، وقُرىء :" بكلمة الله وكتابه " أي : بعيسى وبالكتاب المنزَّل عليه الإنجيل، ﴿وكانت من القانِتين﴾ أي : من عدة المواظبين على الطاعة، والتذكير للتغليب، والإشعار بأنَّ طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال، حتى عُدت من جملتهم، أو كانت من نسل القانتين ؛ لأنها من أعقاب هارون، أخي موسى عليهما السلام. وعن النبي ﷺ :" كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع : آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ﷺ، وفضل عائشة على النساء كفضل
٨٩
الثريد على سائر الطعام ". قال النسفي : وفي طيِّ هذين التمثيلين تعريض بأمَّيِّ المؤمنين المذكورتين في أوّل السورة، وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله ﷺ بما كَرِهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه، وإشارة إلى أنّ مِن حقهما أن تكونا في الأخلاق كهاتين المؤمنتين، وألاّ تتكلا على أنهما زوجا رسول الله صلى عليه وسلم. هـ. وفي الثعلبي : وقال ابن عباس وجماعة : قطع اللهُ بهذه الآية طمَعَ مَن ركب المعصية، ورجا أن ينفعه صلاح غيره، وأخبر أنّ معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعاً. هـ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٨


الصفحة التالية
Icon