﴿ثم ارجع البصرَ كرتينِ﴾ أي : كرّره رجعتين مع الأُولى، فتكون ثلاثاً، أو : بالأُولى، وقيل : لمَ يُرد الاقتصار على مرتين، بل أراد به التكرير بكثرةٍ، أي : كرر نظرك ودقّقه مراراً، هل ترى خللاً أو عيباً في السموات ؟ وجواب الأمر :﴿ينقلبْ﴾ ؛ يرجع ﴿إليك البصرُ خاسئاً﴾ ؛ ذليلاً، أو : بعيداً مما تريد، وهو حال من البصر، ﴿وهو حَسِيرٌ﴾ أي : كليل لطول المعاودة، وكثرة المراجعة، ولم يحصل ما قصد.
ثم بيَّن حُسنها وبهجتها، فقال :﴿ولقد زيَّنا السماءَ الدنيا﴾ أي : القُربى منكم ﴿بمصابيحَ﴾ أي : بكواكب مضيئة بالليل إضاءة السراج فيه، زينةً لسقف هذه الدار، من السيارة والثوابت، تتراءى كأنها كلها مركوزة فيها، مع أنَّ بعضها في سائر السموات، وما ذلك إلاَّ لأنَّ كل واحدة منها مخلوقة على نمط رائق، تحار في فهمه الأفكار، وطراز فائق تهيم في دركه الأنظار. قال الفخر : وليس في هذه الآية ما يدل على أنَّ الكواكب مركوزة في سماء الدنيا، وذلك لأنَّ السموات إذا كانت شفافة فالكواكب سواء كانت في سماء الدنيا، أو في سماء أخرى فوقها، فهي لا بد أن تظهر في سماء الدنيا، وتلوح فيها، فعلى كِلا التقديرين فالسماء الدنيا مُزَيّنة بها. هـ.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٩١
وجعلناها رُجوماً للشياطين﴾
أي : وجعلنا فيها فائدة أخرى، هي : رجم أعدائكم الذي يُخرجونكم من النور إلى الظلمات، بانقضاض الشُهب المقتَبسة منها، فيأخذ المَلك شعلة من نار الكوكب، ويضرب بها الجني، فيقتله، أو يخبِّله، فيرجع غُولاً يُفزع الناسَ، وأمّا الكواكب فلا تزول عن أماكنها ؛ لأنها قارّة في الفلك. قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاث : زينة السماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمَن تأوّل فيها غير ذلك، فقد تكلّف ما لا علم له به. ﴿وأعتدنا لهم﴾ ؛ للشياطين ﴿عذابَ السعير﴾ بعد الإحراق في الدنيا بالشُهب. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon