﴿وأسِرُّوا قولكم أو اجهروا به﴾، ظاهره : الأمر بأحد الأمرين ؛ الإسرار والإجهار ومعناه : ليستوِ عندكم إسراركم وإجهاركم، فإنه في عِلْم الله سواء. كقوله :﴿سَوَآءٌ مِنكُم مَّنْ أَسَرَ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ﴾ [الرعد : ١٠]، وكأنه تعالى لمّا قال :﴿يخشون ربهم بالغيب﴾ ربما يتوهم أن الله تعالى يغيب عنه شيء، رفع ذلك. وقيل : إنَّ المشركين كانوا ينالون من رسول الله ﷺ، فيُخبره جبريلُ عليه السلام بما قالوا فيه ونالوا منه، فقالوا فيما بينهم : أسِروا قولكم لئلا يسمع رب محمد فيخبره، فنزلت. وتقديم السر على الجهر للإيذان بافتضاحهم، ووقوع ما يحذرونه، وللمبالغة في شمول علمه تعالى، المحيط بجميع المعلومات، كأنَّ عِلْمَه تعالى بما يُسرونه أقدم منه بما يجهرونه، مع كونهما في الحقيقة على السواء، ولأنَّ مرتبة السر أقدم وجوداً ؛ لأنّ ما يقع به الجهر يتقدّم التحدُّث به في النفس.
وقوله تعالى :﴿إِنه عليم بذات الصدور﴾ تعليل لِما قبله، أي : عليم بضمائر الصدور قبل أن تترجم الألسنة، فكيف لا يعلم ما تتكلم به. وفي صيغة " فعيل "، وتحلية " الصدور " بلام الاستغراق، ووصف الضمائر بصاحبتها من الجزالة ما لا غاية وراءه، كأنه قيل : إنه مبالغ في الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية، المستكنة في صدروهم، فكيف يخفى عليه ما يُبدونه ؟ ويجوز أن يراد بـ ﴿ذات الصدور﴾ : القلوب التي في الصدور، أي : عليم بالقلوب وأحوالها، فلا يخفى عليه من أسرارها، ﴿ألا يعلم من خلق﴾ " مَنْ " فاعل بيعلم، ﴿وهو اللطيفُ الخبيرُ﴾ أنكر أن يكون مَن خلق الأشياء وأوجدها غير عالم بباطنها وظاهرها، وصفته أنه اللطيف، أي : العالِم بدقائق الأشياء الخبير ؛ العالم بحقائقها. ويجوز أن يكون (مَن) مفعولاً، أي : ألاَ يعلم اللهُ مَن خلقه.