وإذا تقرّر أنك على الهدى، ومُكَذَبوك على الضلال ﴿فلا تُطع المكذِّبين﴾، فالفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي : دُم على ما أنت عليه، من عدم طاعتهم، وتَصَلّبْ في ذلك. وهذا تهييج للتصميم على عصيانهم، وقد أرادوه على أن يعبدوا الله مدة، ويعبد آلهتهم مدة، ويكفُّوا عنه غوائلهم، فنهاه عن ذلك، أو : نُهي عن مداهنتهم ومداراتهم، بإظهار خلاف ما في ضميره ﷺ ؛ استجلاباً لقلوبهم. ﴿وَدُّوا لو تُدْهِنُ﴾ ؛ لو تلين لهم ﴿فيُدْهِنُون﴾ ؛ فيلينون لك، ولم ينصب بإضمار " أن " مع أنه جواب التمني ؛ لأنه عدل به إلى طريق آخر، وهو أن جعله خبر مبتدأ محذوف، أي : فهم مدهنون، أي : فهم الآن يُدهنون لطمعهم في إدهانك، فليس داخلاً في حيّز تمنيهم ؛ بل هو حاصل لهم، وفي بعض المصاحف :﴿فيدهنوا﴾ على أنه جواب التمني.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٧
ولا تُطعْ كلَّ حلاّفٍ﴾ ؛ كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به زجراً لمَن يُكثر الحلف، ﴿مَهِينٍ﴾ ؛ حقير في الرأي والتدبير، من المهانة، وهي القلة والحقارة، أو : كذَّاب ؛ لأنه صغير عند الناس، ﴿هَمَّازٍ﴾ ؛ عيّابٍ طعَّان مغتاب ﴿مشَّاء بنميم﴾ ؛ نقّال للحديث من قوم إلى قوم، على وجه السِّعاية والفساد بينهم، فالنميم والنميمة : السعاية في إفساد ذات البيْن، ﴿مناعٍ للخير﴾ ؛ بخيل، والخير : المال، أو : منّاع أهلَه من الخير، وهو الإسلام، والمراد : الوليد بن المغيرة، عند الجمهور، وكان يقول لبنيه العشرة : مَن أسلم منكم منعته رفدي. هـ ﴿مُعْتَدٍ﴾ ؛ مجاوز في الظلم حدّه، ﴿أثيمٍ﴾ ؛ كثير الإثم، ﴿عُتُلٍّ﴾ ؛ غليظ جافٍ، مِن عتله : إذا قاده بعنف وغلظةٍ، ﴿بعد ذلك﴾ ؛ بعدما عدّ له من المثالب
١٠٨