فأقبل بعضُهم على بعض يتلاومون} أي : يلوم بعضُهم بعضاً بما فعلوا من الهرب من المساكين، ويُحيل كلُّ واحد منهم اللائمة على الآخر، ثم اعترفوا جميعاً بأنهم تجاوزوا الحد بقوله :﴿قالوا يا ويلنا إِنَّا كنا ظالمين﴾ ؛ متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء حقهم، وتَرْكِ الاستثناء، ﴿عسى ربُّنا أن يُبْدلنا خيراً منها﴾ أي : يعطينا خيراً من جنتنا ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة، ﴿إِنَّا إِلى ربنا راغبون﴾ ؛ طالبون منه الخير، راجون العفو منه. وعن مجاهد : ثابوا فأُبدلوا خيراً منها، وعن ابن مسعود رضي الله عنه : بلغني أنهم أخلصوا، فأبدلهم الله جنة تُسمى الحيوان، فيها عنب يحمل البغل منه عنقوداً، وعن أبي خالد اليماني أنه رآها، ورأى كل عنقود منها كالرجُل الأسود القائم، وقد تقدّم أنهم مؤمنون، إمّا من بني إسرائيل أو غيرهم، فلا معنى لمَن توقف في قولهم :﴿إِنَّا إِلى ربنا راغبون﴾ هل يكون إسلاماً أم لا ؟ نعم، قد قيل : إنهم كانوا كفاراً، فيحتمل أن يكون قولهم هذا إسلاماً، أو يكون على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم شدة. قال تعالى :﴿كذلك العذابُ﴾ أي : مثل ذلك العذاب الذي ذكرناه في حق أصحاب الجنة هو عذاب الدنيا لمَن تخالف أمرنا، ولم يشكر نِعمنا، ﴿ولَعذابُ الآخرة أكبرُ﴾ ؛ أعظم منه وأشد، ﴿لو كانوا يعلمون﴾ أنه أكبر لا حترزوا عما يؤديهم إليه.
قال الطيبي : قال الإمام ـ أي الفخر ـ : المقصود من القصة أنه تعالى قال :﴿أن كان ذا مال وبنين إِذا تُتلى عليه آياتنا قال...﴾ الخ ؛ أي : لأجل أن أعطاه الله المال والبنين كفر
١١٢