ثم قال تعالى :﴿ويُدْعَون إِلى السجود﴾ توبيخاً وتعنيفاً على تركهم له في الدنيا، وتحسُّراً لهم على تفريطهم في ذلك، لا تكليفاً، إذ ليست دار تكليف، ﴿فلا يستطيعون﴾ ذلك ؛ لأنَّ ظهورهم تصير كصياصي البقر، وفيه دلالة على أنهم يقصدون السجود فلا يتأتى منهم ذلك. وعن ابن مسعود رضي الله عنه : تَفقُم أصلابهم، أي : تُرد عظماً بلا مفاصل، لا تثنى عند الرفع والخفض. وفي الحديث الصحيح :" يخرُّون لله سُجداً أجمعون، ولا يبقى أحد كان يسجد لله رياء وسمعة ونفاقاً إلاَّ صار ظهره طبقاً واحداً، كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه ". ﴿خاشعةً أبصارُهم﴾ أي : ذليلة، حال من الضمير في " يُدْعَون "، أي : يُدعون في حال خشوع أبصارهم، ونسبة الخشوع إلى الأبصار ؛ لظهور أثره فيها، ﴿تَرْهَقهم﴾ أي : تلحقهم وتغشاهم ﴿ذلَّةٌ﴾ شديدة، ﴿وقد كانوا﴾ في الدنيا ﴿يُدْعَون﴾ على ألسنة الرسل ﴿إِلى السجود﴾، والأصل : إليه، وإنما أظهر لزيادة التقرير، أو : لأنَّ المراد به الصلاة بما فيها من السجود، والدعوة دعوة تكليف، ﴿وهم سالِمون﴾ متمكنون منه أقوى تمكُّن، فلا يُجيبون إليه ويأبونه، وإنما لم يذكره معه لظهوره.
الإشارة : إنَّ للمتقين ما سوى الله عند ربهم ؛ في حضرة قدسه، جناتِ النعيم، وهي جنات المعارف في نعيم دوام الشهود والرؤية، أفنجعل المسلمين المنقادين لأحكامنا القهرية والتكليفية، كالمجرمين العاصين، ثم وبَّخ مَن سوَّى بينهم وطالبه بالحجة. وقوله تعالى :﴿يوم يُكشف عن ساق﴾ أي : يوم يتجلّى لعباده بنور من نور ذاته، على صورة آدم، تشريفاً لهذا الآدمي، وفي الحديث :" إن الله خلق آدم على صورته " أي : على
١١٥